الممكن، فإنّه أمر غير بيّن الثبوت لها، بل يحتاج إثباته لها إلى بيان، ولذلك اشتغل القوم بإبطال الأولويّة الذاتيّة، وقد ذهب بعضهم إلى أنّ احتياج الممكن إلى المؤثّر، والحادث إلى المحدث بديهيّ فطري لا يحتاج إلى الاستدلال، وهو حقّ؛ لأنّ الفطرة الصحيحة تشهد بامتناع أن يكون أمر واحد بعينه تارة معدوما بنفسه، وتارة موجودا بنفسه من غير جهة خارجة؛ لأنّ هذا نحو من ترجّح بلا مرجّح، وهو ضروري الامتناع، بديهي البطلان.
المقدّمة الثانية: أنّه لا يجوز أن يكون علّة موجوديّة الممكن واتّصافه بالوجود ـ يعني علّة كونه بحيث يصحّ انتزاع الوجود عنه والحكم باتّصافه به ـ ذلك الوجود المنتزع العقلي؛ لأنّ علّة كون الشيء موجودا في الخارج لا يكون إلّا ما هو موجود فيه؛ لامتناع تأثير المعدوم في الموجود الخارجي بالبديهة فضلاً عن تأثير ما لا يتصوّر وجوده فيه؛ لكونه من المعقولات الثانية.
ولا يجوز أن يكون علّته الماهيّة الممكنة الخالية عن الوجود في حدّ ذاتها، أي الماهيّة المأخوذة بحيث لا يصحّ أن ينتزع عنها الوجود؛ لأنّ المعدوم لا يصحّ إيجاده لشيء فضلاً عن أن يُوجِد ذاتَه بديهةً؛ فالعلّة المؤثّرة لاتّصاف الماهيّة الممكنة الخالية عن الوجود في حدّ ذاتها بالوجود وصيرورتها بحيث يصحّ انتزاع الوجود عنها لا يكون إلّا موجودا آخر مباينا له.
وقد استعمل هذا المعنى أبو عبد اللّه عليه السلام كما رواه الصدوق ابن بابويه عن هشام بن الحكم أنّه قال أبو شاكر الديصاني لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ لك صانعا؟ فقال: «وجدتُ نفسي لا تخلو من إحد[ى] جهتين: إمّا أن أكون صنعتها أنا، فلا أخلو من أحد معنيين: إمّا أن أكون صنعتُها وكانت موجودة، أو صنعتُها وكانت معدومة، فإن كنت صنعتُها وكانت موجودة فقد استغنيت لوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنّك تعلم أنّ المعدوم لا يحدث شيئا، فقد ثبت المعنى الثالث أنّ لي صانعا وهو اللّه ربّ العالمين» ۱ .