319
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

الممكن، فإنّه أمر غير بيّن الثبوت لها، بل يحتاج إثباته لها إلى بيان، ولذلك اشتغل القوم بإبطال الأولويّة الذاتيّة، وقد ذهب بعضهم إلى أنّ احتياج الممكن إلى المؤثّر، والحادث إلى المحدث بديهيّ فطري لا يحتاج إلى الاستدلال، وهو حقّ؛ لأنّ الفطرة الصحيحة تشهد بامتناع أن يكون أمر واحد بعينه تارة معدوما بنفسه، وتارة موجودا بنفسه من غير جهة خارجة؛ لأنّ هذا نحو من ترجّح بلا مرجّح، وهو ضروري الامتناع، بديهي البطلان.
المقدّمة الثانية: أنّه لا يجوز أن يكون علّة موجوديّة الممكن واتّصافه بالوجود ـ يعني علّة كونه بحيث يصحّ انتزاع الوجود عنه والحكم باتّصافه به ـ ذلك الوجود المنتزع العقلي؛ لأنّ علّة كون الشيء موجودا في الخارج لا يكون إلّا ما هو موجود فيه؛ لامتناع تأثير المعدوم في الموجود الخارجي بالبديهة فضلاً عن تأثير ما لا يتصوّر وجوده فيه؛ لكونه من المعقولات الثانية.
ولا يجوز أن يكون علّته الماهيّة الممكنة الخالية عن الوجود في حدّ ذاتها، أي الماهيّة المأخوذة بحيث لا يصحّ أن ينتزع عنها الوجود؛ لأنّ المعدوم لا يصحّ إيجاده لشيء فضلاً عن أن يُوجِد ذاتَه بديهةً؛ فالعلّة المؤثّرة لاتّصاف الماهيّة الممكنة الخالية عن الوجود في حدّ ذاتها بالوجود وصيرورتها بحيث يصحّ انتزاع الوجود عنها لا يكون إلّا موجودا آخر مباينا له.
وقد استعمل هذا المعنى أبو عبد اللّه عليه السلام كما رواه الصدوق ابن بابويه عن هشام بن الحكم أنّه قال أبو شاكر الديصاني لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ لك صانعا؟ فقال: «وجدتُ نفسي لا تخلو من إحد[ى] جهتين: إمّا أن أكون صنعتها أنا، فلا أخلو من أحد معنيين: إمّا أن أكون صنعتُها وكانت موجودة، أو صنعتُها وكانت معدومة، فإن كنت صنعتُها وكانت موجودة فقد استغنيت لوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنّك تعلم أنّ المعدوم لا يحدث شيئا، فقد ثبت المعنى الثالث أنّ لي صانعا وهو اللّه ربّ العالمين» ۱ .

1.التوحيد، ص ۲۹۰، باب ۴۱، ح ۱۰.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
318

الزائد على ذاته، واتّصافه بذلك الوجود، وانضمام الوجود إليه، بل يكون هو وجودا قائما بنفسه، موجودا بذاته، وظاهرٌ أنّ ذلك الموجود لا يمكن انفكاك الوجود عنه في الواقع، ولا يمكن تصوّر انفكاكه عنه أيضا؛ لامتناع تصوّر انفكاك الشيء عن نفسه، فلا يمكن ولا يتصوّر كونه معلولاً لا لذاته ولا لغيره؛ لأنّ توسّط الجعل بين الشيء ونفسه ممتنع بالذات، وتصوّره أيضا محال، وذلك الموجود هو المسمّى بواجب الوجود بالذات.
أو ذاته غير كافية في كونه موجودا، بمعنى أنّه إذا اُخذ ذاته من حيث هي هي لم يكن موجودا في حدّ ذاته ونفسه، بل إنّما يكون موجوديّته بصيرورته موجودا بعد أن لم يكن في حدّ ذاته ونفسه موجودا، فبالضرورة يكون موجوديّته مغايرة لنفس ذاته، وهذا هو المسمّى بالممكن الوجود لذاته، ولا شكّ في أنّ كلّ موجود يكون كذلك يحتاج في أن يصير موجودا إلى علّة ومرجّح؛ إذ كلّ ما يغاير الشيء ـ فإنّ ثبوته لذلك الشيء، أو اتّصاف ذلك الشيء، أو اتّصاف ذلك الشيء به، أو انضمامه إليه، أو انتزاعه عنه، أو كونه هو باعتبار اتّحادهما في الوجود، أو ما شئت فسمّه ـ أمرٌ لا يستغني عن العلّة، سواء كانت العلّة أحدهما، أو أمرا ثالثا ۱
، فإنّ الإنسان ـ مثلاً ـ لا يحتاج إلى ما يجعله إنسانا؛ لاستحالة توسّط الجعل بين الشيء ونفسه. وأمّا في كونه شيئا آخر، وصيرورته ۲ أمرا آخر مغايرا لنفسه بعد أن لم يكن في نفسه كذلك، فيحتاج إلى سبب وعلّة بالبديهة، فتبيّن بهذا احتياجُ كلّ ممكن إلى مؤثّر.
ولا يرد عليه شبهة الأولويّة الذاتيّة؛ لأنّ ما هو مناط ذلك الاستدلال ـ وهو أنّ موجوديّة الممكن بصيرورته ۳ موجودا بعد أن لم يكن في نفسه كذلك ـ أمرٌ بيّنُ الثبوت للممكن؛ إذ الممكن هو الذي لا يكون موجودا في حدّ ذاته ونفسه، فبالضرورة يكون وجوده بهذا الوجه، بخلاف ما هو مناط استدلال ۴ المشهور من تساوي نسبة الوجود والعدم إلى ذات

1.في النسخة: «أمر ثالث».

2.في النسخة: «صيروية».

3.في النسخة: «بصيروريّة».

4.في النسخة: «الاستدلال».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 145002
صفحه از 739
پرینت  ارسال به