33
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

الأفعال ومفاسدها وحسنها وقبحها، ودعوته لصاحبه إلى الأفعال الحسنة من غير جبر، ونهيه صاحبه وصرفه له عن الأفعال القبيحة من غير جبر، يسمّى بالعقل العملي والقوّة العمليّة.
يتعلّق بالأوّل الحكمة النظريّة، وبالثاني الحكمة العمليّة.
وأصل ذلك العقل، أي الصفة المسمّاة بقوّة النطق ـ سواء كانت كاملة أو ناقصة ـ هي مناط التكليف الشرعي عند ارتفاع الموانع وتحقّق الشرائط.
أمّا الموانع ـ وهي عوائق النفس الناطقة عن استعمالها ـ فكالجنون والنوم والإغماء، والمرتبة التي من الطفوليّة لا تميز فيها ونحوها.
وأمّا الشرائط فكالوصول إلى سنّ البلوغ بالنسبة إلى جميع التكاليف الشرعيّة، وكالطهر من الحيض والنفاس، وكالصحّة، والكون في الحضر، أو توقّف العشرة، والاستطاعة، وبلوغ النصاب ونحوها بالنسبة إلى بعض التكاليف من التكليف بالصلاة والصوم والحجّ والزكاة ونحوها.
فلا يتوهّم أنّ المجنون ومن لا يصل إلى سنّ البلوغ مثلاً وإن كان في غاية التميز فاقدٌ لتلك القوّة كالبهائم، كما يظهر من كلام بعض الأعلام، كيف وفاقد تلك لا يكون إنسانا أصلاً، وشيء من الجنون والصبا مثلاً لا يوجب خروج صاحبه عن نوع الإنسان حتّى بزواله ينقلب ماهيّته، ويندرج في تحت ذلك النوع.
ثمّ الإنسان إن استعمل تلك القوّة عند عدم العائق فيما يقتضيها، وبالغ في ذلك الاستعمال حتّى يصل إلى السعادة التي هي غاية إيجاده، كان خيّرا سعيدا، وإن أهمل في استعمالها بالكسل والإعراض، أو بالسعي في طلب ضدّ مقتضاها من مقتضى ضدّها من النفس البهيميّة أو السبعيّة كان شريرا شقيّا.
ثمّ لا يذهب عليك أنّ إطلاق العقل على تلك القوّة على سبيل الحقيقة.
قال في القاموس: «العقل هو القوّة بها يكون التميز بين الحَسَن والقبيح» ثمّ قال: «والحقّ


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
32

هذا بناءً على بعض النسخ الذي ليس في صدر أبواب العلم قوله : «كتاب فضل العلم» . وأمّا في النسخ المصدّرة به ، فلا يحتاج إلى هذه التعميم من هذه الجهة ، لكن احتجنا إليه من جهة إطلاق العقل في بعض مواضع هذا الكتاب على العلم ، كما سيجيء .
ويؤيّد النسخَ الثانيةَ ما وجد في آخر هذا الكتاب قوله : «هذا آخر كتاب العقل» وما ذكره هذا القائل من أنّه من زيادة النسّاخ خلافُ الظاهر ، هذا.

ثمّ اقول : اعلم أنّ العقل يطلق على معانٍ :

الأوّل: الجوهر المجرّد عَن المادّة في ذاته وفعله.
والثاني: الجوهر المجرّد عن المادّة في ذاته دون فعله، ويسمّى بالنفس الناطقة والنفس
المجرّدة أيضا.
والثالث: الصفة والقوّة التي تختصّ من بين نفوس الحيوانات بالنفس الناطقة الإنسانيّة، وتسمّى ۱ بقوّة النطق أيضا، وهي قوّة تُدرك بها النفس الكلّيّات والجزئيّات المجرّدة بلا توسّط آلة، وتميّز بها بين جميع مدركاتها، كلّيا كان أو جزئيا، مجرّدا أو مادّيا، وبالاعتبار الأوّل يسمّى بقوّة إدراك غير آليّ في مقابل القوّة التي يشترك فيها نفوس الإنسان وسائر الحيوانات المسمّاة بقوّة إدراك آليّ، وهي القوّة التي تدرك بها النفوس الجزئيّات المادّيّة بوساطة آلات من المشاعر الخمس الظاهرة، والحواسّ الخمس الباطنة، وبالاعتبار الثاني يسمّى بالقوّة المميّزة.
ثمّ ذلك العقل بالمعنى الثالث المسمّى بالقوّة النطقيّة أيضا باعتبار توجّهه إلى معرفة حقائق الموجودات ومعالم الشرعيّات، والإحاطة بأصناف المعقولات، وأقسام المنقولات، والتميز بين الحقّ والباطل، والكمال والنقص، يسمّى بالعقل النظري والقوّة النظريّة.
وباعتبار توجّهه إلى التصرّف في الموضوعات واستنباط الصناعات، والتميز بين مصالح

1.في النسخة: «يختصّ... يسمّى».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126249
صفحه از 739
پرینت  ارسال به