۰.والليلَ والنهارَ يَلِجان فلا يَشتبهان ويَرجِعان ، قد اضطُرّا ، ليس لهما مكانٌ إلّا مكانُهما ،
الموجودات الممكنة ـ بحيث لا يشذّ عنها فرد ـ محتاجٌ في صيرورته موجودا إلى موثّر موجود خارج عنها، والموجود الخارج عن سلسلة جميع الممكنات واجب الوجود بالذات، فثبت أنّ واجب الوجود بالذات موجود في الخارج، فالموجود الخارجي لا ينحصر في الممكنات، هذا خلف.
وبطريق آخر أقول: جميع الموجودات الممكنة ـ ولو كانت غير متناهية ـ يمكن طريان العدم عليها بالكلّيّة، أو يمكن أن يكون معدوما رأسا وبالكلّيّة بدل كونها موجودا، وكلّ ما هو كذلك فله مؤثّر موجود خارج عنه، مباين له، بحكم المقدّمات المذكورة، والموجود الخارج عن الممكنات جملة وجميعها هو واجب الوجود بالذات، فلا ينحصر الموجود الخارجي في الممكنات، هذا خلف. ولا يتوهّم شبهة ما فوق المعلول الأخير هاهنا أصلاً كما لا يخفى.
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى تقرير الوجوه الثلاثة التي استدلّ بها عليه السلام على إثبات الصانع القادر المختار العالم الواجب بالذات.
أمّا الوجه الأوّل فأشار إليه عليه السلام بقوله: «أما تَرى الشمس والقمر» إلى قوله: «وأكبر» «أما» حرف تنبيه. ويحتمل أن يكون الهمزة للاستفهام الإنكاري و«ما» نافية. و«الشمس» منصوب مفعول أوّل لـ «ترى». و«الليل» مرفوع بالابتداء. و«يلجان» خبر عن الليل والنهار، والجملة حاليّة. و«قد اُضطرّا» على صيغة المجهول مفعول ثانٍ لـ «ترى» أي تعلم الشمس والقمر قد اضطرّا في حركتهما والحال أنّ الليل والنهار يلجان، أي يلج كلّ واحد منهما في صاحبه بأن يدخل شيء من الوقت والقدر الذي كان داخلاً في الليل في النهار في أيّام طول النهار، وبالعكس في أيّام طول الليل، فلا يشتبه قدرهما بالدخول والخلط، بل محفوظ على نسق واحد، ويرجعان إلى مثل ما كانا عليه أوّلاً من استوائهما وعدم الولوج في كلّ سنة مرّتين عند تحويل الشمس إلى أوّل الحَمَل، وعند تحويلها إلى أوّل الميزان.
وقوله عليه السلام : (ليس لهما مكان) إلخ دليل على اضطرارهما، أي ليس للشمس والقمر