۰.نَهارا والنهارُ ليلاً؟ اضطرّا واللّه يا أخا أهلِ مصرَ إلى دوامهما ، والذي اضطَرَّهما أحكَمُ منهما .........
حركة منضبطة على نسق واحد لا يتغيّر أبدا يتحدّس من ذلك بأن التحرّك بها غير مختار، كما يتحدّس من عدم اختلاف مقتضيات الجمادات ـ إذا خلّيت بطبائعها ـ بعدم اختيارها، فلو كانت حركتهما اختياريّة، وكانا غير مضطرّين في انضباط حركتهما لتختلف حركتهما، كما يشهد عليه الحدس الصائب، فيصير ما يكون ليلاً عند الاتّساق كلّه، أو بعضه نهارا، وما يكون نهارا عند الانضباط كلّه، أو بعضه ليلاً، والتالي ظاهر البطلان، فكذا المقدّم، فبقي أنّ حركتهما إراديّة اضطراريّة وهما مضطرّان في الانضباط، فقوله: «وإن كانا» إلى قوله: «اُضطرّا» دليل على أنّ حركتهما ليست اختياريّة وإراديّة صرفة.
وقولُه عليه السلام : (اُضطرّا واللّهِ يا أخا أهل مصر إلى دوامهما) أي استمرارهما على النسق الذي هما عليه، نتيجةٌ للدليل. وتأكيده بالقَسَم إشارة إلى أنّه حكم متيقّن بالبرهان، وليس من المظنونات.
وإذا كانا مضطرّين في الحركة كان (الذي اضطَرَّهما) وجعلهما مضطرّين ـ يعني المحرّك الأوّل والمبدأ الأوّل لهاتين الحركتين الاضطراريّتين، سواء كان مبدأ لهما بلا واسطة أو بواسطة أو بوسائط، متناهية كانت تلك الوسائط؛ لاستحالة آلته، أو غير متناهية على تقديرٍ محالٍ ـ (أحكمُ منهما) أي أشدّ إحكاما، وأقوى وأقدر منهما وممّا يحذو حذوهما من سائر الأجرام الفلكيّة المشاركة لهما في لزوم المكان والاضطرار؛ لأنّ الغالب القاهر أقوى من المغلوب المقهور بالضرورة، ولا شكّ في أنّ ما هو أقوى من الأجرام العِلويّة الفلكيّة لا يكون جسما ولا جسمانيا، فلا يكون له مكان ومحلّ وموضوع وغير ذلك من خواصّ الأجسام والجسمانيّات، فثبت أنّه مجرّد.
وقد بُني التفضيل من المزيد فيه على الشذوذ كما في «أخصر» من الاختصار، وفي «أفلس» من الإفلاس.
وقيل: «أحكم» هاهنا مشتقّ من الحكمة، يعني أنّ هذه الآثار يترتّب عليها مصالح