325
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : «يا أخا أهلِ مصرَ ، إنّ الذي تَذهبونَ إليه وتَظُنّونَ أنّه الدهرُ إن كان الدهرُ يَذهبُ بهم لِمَ لا يَرُدُّهم ؟ وإن كان يَرُدّهم لِمَ لا يذهب بهم؟ القومُ مُضطرُّون

والثالث: لأنّ الغالب القاهر على الأجسام العلويّة أحقّ بالغلبة والقهر على السفليّات الظاهر تأثّرها من العلويّات دون العكس.
وأمّا الوجه الثاني فأشار إليه عليه السلام بقوله: (يا أخا أهل مصر إنّ الذي) إلى قوله: (القوم مضطرّون) وهذا الوجه مشتمل على إبطالِ مذهب الخصم من القول بمبدئيّة الدهر للكائنات الفاسدات كما في قولهم: إن يهلكنا إلّا الدهر، وإثباتِ مذهب الحقّ من أنّ صانع الكلّ هو القادر المختار العالِم الواجب بالذات.
وتقرير الدليل أنّ الدهر هو الزمان، وليس للزمان شعور وإرادة بالضرورة والاتّفاق، والناس يذهبون، أي يخرجون من الوجود إلى العدم، ويعودون بعد ذلك بالاتّفاق، لكن على معتقدنا في الآخرة، وعلى زعمكم في الدنيا على سبيل التناسخ، فلا بدّ من أن يكون الصانع يصدر عنه الأفعال المختلفة المتقابلة، والأفعال المختلفة المتقابلة لا يمكن أن تصدر ۱
عن عديم الاختيار فضلاً عن عديم الشعور، فالدهر لو كان علّة لذهابهم فلِمَ لا يَرُدُّهم؟ وإن كان علّة لردّهم فلِمَ لا يكون علّة لذهابهم؟ مع أنّ علّة ذهابهم وعودهم واحد بالاتّفاق، فيجب أن يكون المبدأ للسفليّات مختارا ذا شعور يكون علّة للأفعال المختلفة من ذهابهم وردّهم.
و(القوم مضطرّون) في الخروج من الوجود إلى العدم، ومن العدم إلى الوجود؛ لخلوّ ذواتهم في أنفسها عن الوجود والعدم، فلا بدّ من أن يكون الواحد الذي يفنيهم ويوجدهم موجودا متنزّها عن الاضطرار، وما هو مبدؤه ومنشؤه من الإمكان الذاتي؛ لأنّ كلّ ممكن بالذات مضطرّ ومحتاج في الخروج من الوجود إلى العدم، ومن العدم إلى الوجود، بل في الخروج من مرتبة الخلوّ عن الوجود إلى مرتبة الخلط به بموجود قاهر غالب على إفنائه وإيجاده؛ لضرورة امتناع تأثير المعدوم في الموجود، ولا بدّ أن لا يكون متّصفا بالإمكان

1.في النسخة: «أن يصدر».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
324

۰.وأكبَرُ» . فقال الزنديق : صَدَقْتَ .

عظيمة كثيرة لا يمكن أن تصدر إلّا عن حكيم قادر أحكمَ وأقدرَ من المخلوقات بأسرها.
وقوله عليه السلام : (أكبر) أي أكبر من أن يتّصف بصفات المضطرّ لا سيّما صفة يوجب اضطراره في التغيّر والخروج من مرتبة الخلوّ عن الوجود إلى مرتبة الخلط والاتّصاف به وهي الإمكان، فيجب أن يستند حركتهما إلى محرّك أوّلَ، ومبدأ أوّل غير متحرّك ولا متغيّر بالخروج من العدم إلى الوجود، أو بالخروج من مرتبة الخلوّ عن الوجود إلى مرتبة الخلط والاتّصاف به؛ لأنّ كلّ ما هو ممكن ـ سواء كان واحدا أو كثيرا، متناهيا أو غير متناهٍ، حادثا أو قديما زمانيا على تقدير وجوده ـ يحتاج إلى مؤثّر موجود خارج عن سلسلة جميع الممكنات بحكم المقدّمات الثلاث، وذلك هو واجب الوجود بالذات، ويسمّى بالمحرّك الأوّل عند المحقّقين من الطبيعيين القائلين بوجود الواجب، وبالمبدأ الأوّل عند الإلهيين، فثبت بهذا البرهان وجود مجرّد، أو حكيم قادر صانع للعالم واجب الوجود بالذات، من غير توقّفه على إبطال التسلسل وبطلان الدور، ولا يتوهّم فيه شبهة الأولويّة الذاتيّة، وشبهة ما فوق المعلول الأخير.
وقد استدلّ عليه السلام أوّلاً على وجوده تعالى بالحركة؛ لضرورة احتياجها إلى المحرّك والعلّة؛ لأنّ خروجها من العدم إلى الوجود ضروري بخلاف الأجسام.
واستدلّ بحركات العِلْويّات دون السِفْليّات لوجوه:
الأوّل: للإشارة إلى أنّ الدهر الذي هو مبدأ للسِفْليّات عندهم معلول له تعالى؛ لأنّه مقدار حركة الفلك التي يدلّ هذا الدليل على أنّها معلول له تعالى؛ لأنّه يدلّ على استناد جميع الحركات السماويّة إليه تعالى، فمقدار تلك الحركة وما هو معلول لذلك المقدار من السِفْليّات على زعمهم يكون معلولاً له تعالى بطريق أولى؛ لأنّ معلول معلول الشيء معلول له بالضرورة.
والثاني: لأنّ ما توهّموه أن لا مبدأ له هي العِلْويّات دون السِفْليّات، لأنّهم قائلون بأنّ الدهر مبدأ للسفليّات.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144865
صفحه از 739
پرینت  ارسال به