۰.ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : «يا أخا أهلِ مصرَ ، إنّ الذي تَذهبونَ إليه وتَظُنّونَ أنّه الدهرُ إن كان الدهرُ يَذهبُ بهم لِمَ لا يَرُدُّهم ؟ وإن كان يَرُدّهم لِمَ لا يذهب بهم؟ القومُ مُضطرُّون
والثالث: لأنّ الغالب القاهر على الأجسام العلويّة أحقّ بالغلبة والقهر على السفليّات الظاهر تأثّرها من العلويّات دون العكس.
وأمّا الوجه الثاني فأشار إليه عليه السلام بقوله: (يا أخا أهل مصر إنّ الذي) إلى قوله: (القوم مضطرّون) وهذا الوجه مشتمل على إبطالِ مذهب الخصم من القول بمبدئيّة الدهر للكائنات الفاسدات كما في قولهم: إن يهلكنا إلّا الدهر، وإثباتِ مذهب الحقّ من أنّ صانع الكلّ هو القادر المختار العالِم الواجب بالذات.
وتقرير الدليل أنّ الدهر هو الزمان، وليس للزمان شعور وإرادة بالضرورة والاتّفاق، والناس يذهبون، أي يخرجون من الوجود إلى العدم، ويعودون بعد ذلك بالاتّفاق، لكن على معتقدنا في الآخرة، وعلى زعمكم في الدنيا على سبيل التناسخ، فلا بدّ من أن يكون الصانع يصدر عنه الأفعال المختلفة المتقابلة، والأفعال المختلفة المتقابلة لا يمكن أن تصدر ۱
عن عديم الاختيار فضلاً عن عديم الشعور، فالدهر لو كان علّة لذهابهم فلِمَ لا يَرُدُّهم؟ وإن كان علّة لردّهم فلِمَ لا يكون علّة لذهابهم؟ مع أنّ علّة ذهابهم وعودهم واحد بالاتّفاق، فيجب أن يكون المبدأ للسفليّات مختارا ذا شعور يكون علّة للأفعال المختلفة من ذهابهم وردّهم.
و(القوم مضطرّون) في الخروج من الوجود إلى العدم، ومن العدم إلى الوجود؛ لخلوّ ذواتهم في أنفسها عن الوجود والعدم، فلا بدّ من أن يكون الواحد الذي يفنيهم ويوجدهم موجودا متنزّها عن الاضطرار، وما هو مبدؤه ومنشؤه من الإمكان الذاتي؛ لأنّ كلّ ممكن بالذات مضطرّ ومحتاج في الخروج من الوجود إلى العدم، ومن العدم إلى الوجود، بل في الخروج من مرتبة الخلوّ عن الوجود إلى مرتبة الخلط به بموجود قاهر غالب على إفنائه وإيجاده؛ لضرورة امتناع تأثير المعدوم في الموجود، ولا بدّ أن لا يكون متّصفا بالإمكان