۰.فقلتُ له : يرحمك اللّه وأيَّ شيءٍ نَقولُ ، وأيَّ شيءٍ يقولون؟ ما قولي وقولُهم إلّا واحد . فقال: «وكيف يكونُ قولُك وقولُهم واحدا، وهم يقولون: إنَ لهم مَعادا وثَوابا وعِقابا،ويدينون بأنَّ في السماء إلها وأنّها عُمْرانٌ ، وأنتم تَزعُمونَ أنَّ السماءَ خَرابٌ ليس فيها أحدٌ؟!» .
قال : فَاغْتَنَمْتُها منه ، فقلتُ له : ما مَنَعَه ـ إن كان الأمرُ كما يقولونَ ـ أن يَظهَرَ لخلقه
وكاف التشبيه هنا مثلها في قولنا: «وإنّ الدين كما وُصِف» ويكتفي التغاير الاعتباري باعتبار اختلاف التعبيرات بالألفاظ.
وقوله: (ما قولي وقولُهم إلاّ واحد) إنكار لإنكاره للصانع والدين.
وقوله عليه السلام : (ويدينون بأنّ في السماء إلها) أي للسماء صانعا مدبّرا معبودا يُعبد ويستحقّ لأن يكون معبودا لكلّ أحد؛ فلذلك أرسل الرسل، ودعا خلقه إلى عبادته، وشرع لهم الشرائع.
وقوله عليه السلام : (وأنّها عُمران) بضمّ العين جمع عامر بمعنى المعمور، كدافق بمعنى المدفوق. ولمّا كان المراد بالسماء الجنس جاز كونه خبرا عنها، كما جاز باعتبار لفظها جعل الخراب خبرا عنها؛ يعني لها أهلاً وهم الذين يعبدون الإله، ويطيعونه فيها كالملائكة.
ويحتمل أن يكون المراد به أنّ لها حافظا ومدبّرا؛ لأنّ الدار التي لها مدبّر حافظ معمورة البتّة، فعبّر بكونها عمرانا عن أنّ لها حافظا مدبّرا تعبيرا عن الملزوم باللازم، وكذلك قوله عليه السلام : (وأنتم تزعمون أنّ السماء خراب ليس فيها أحد) أي ليس فيها أحد يعبدونه ويطيعونه، أو ليس لها أحد يدبّرها ويحفظها، فلا يكون بزعمكم صانع مدبّر معبود يُعبد فيها، ويستحقّ لأن يكون معبودا لكلّ أحد، فلا رسالة ولا شريعة.
وقوله: (فاغتنمتُها منه) أي اغتنمت تلك الكلمة، أو المسألة منه؛ حيث ذكرها بدون تصريح منّي.
وقوله: (ما منعه) إلخ، شبهة من الزنديق على مطلوبه بقياس استثنائي تقريرها أنّه كان الأمر كما يقولون ـ يعني أهل الطواف من أنّ للعالم صانعا قادرا على الممكنات مدبّرا مستحقّا للعبادة حتّى بنوا على ذلك القول دلائل الرسالة والشريعة ـ فما منعه أن يظهر