۰.ويَدْعُوَهم إلى عبادته حتّى لا يَختَلِفَ منهم اثنانِ؟ ولِمَ احتَجَبَ عنهم وأرسَلَ إليهم الرسلَ؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرَبَ إلى الإيمان به . فقال لي : «ويلك وكيف احْتَجَبَ عنك مَن أراك قدرتَه في نفسك : نُشُوءَكَ ولم تَكُنْ ، وكِبَرَك بعد صِغَرِكَ ، وقُوَّتَك بعد ضَعْفِك ، وضَعْفَكَ بعد قوّتِك ، وسُقْمَك بعد صِحّتِك ، وصحّتَكَ بعد سُقْمك ، ورضاك بعد غَضَبِك ، وغَضَبَك بعد رضاك ، وحُزنَك بعد فَرَحِك ، وفرحَك بعد حُزْنك ، وحُبَّك بعد بغضك ، وبُغضَك بعد حُبّك ، وعَزْمَك بعد أناتك ، وأناتَك بعد عزمك ، وشهوتَك بعد كراهتك ، وكراهتَك بعد شهوتك ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورهبتَك بعد رغبتك ، ورجاءَك بعد يأسك ، ويأسَك بعد رجائك ، وخاطرَك بما لم يَكُنْ في وهمك ، وعُزُوبَ ما أنت مُعتَقِدُه عن ذهنك» . وما زالَ يُعَدِّدُ عَلَيَّ قدرتَه التي هي في نفسي التي لا أدفَعُها حتّى ظننتُ أنّه سيَظْهَرُ فيما بيني وبينه .
أو استعمل الخاطر على صيغة الفاعل بمعنى المصدر، كما في قمتُ قائما، ويكون المعنى خطورك بما لم يكن في وهمك، من باب القلب؛ فإنّ الأصل خطور ما لم يكن في وهمك ببالك. وهذا إشارة إلى ما يحصل في الذهن بعدما لم يكن في شيء من المدارك أصلاً حتّى الوهم.
والعزوب ـ بضمّ العين المهملة والزاي ـ : الغيبة، يقال: عزب عنّي فلان، أي بَعُدَ وغاب، والمراد زوال ما كان قويّ الثبوت في الذهن، فلا يكون يزول عنه إلّا بمزيل.
وقوله: (يُعَدِّدُ عَلَيَ قدرتَه) أي آثار قدرته.
وقوله: (لا أدفَعُها) أي لا يمكنني دفعها وإنكارها؛ لبداهتها.
وقوله: (حتّى ظننتُ أنّه) أي صانع العالم الإله الحقّ (سيظهر) مشاهدا محسوسا (فيما بيني وبينه) وهذا على سبيل المبالغة في كمال ظهوره ـ تعالى شأنه ـ بهذه التنبيهات والبيانات، والحمد للّه الذي برهانه أن ليس شأن ليس فيه شأنه.
وتحقيق المقام أنّ في كلامه عليه السلام في هذا المقام تنبيهاتٍ على وجود الصانع الإله الحقّ، ودلائلَ على قدرته وإرادته وعلمه وحكمته وحياته وكونه مستحقّا للعبادة، وإشاراتٍ إلى براهين إثبات الواجب بالذات، بل كلّ ما وقع في الكلام المجيد والأحاديث من بيان