339
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

وجوده تعالى وثبوته بالأفلاك والكواكب والعناصر والمركّبات المعدنيّة والنباتيّة والحيوانيّة والنفوس الإنسانيّة واختلاف صفاتها وأحوالها، وقد وقع ذلك في أكثر من ثمانين موضعا من كتاب اللّه تعالى كقوله تعالى في سورة البقرة: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وَما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ لَاياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»۱ وكقوله تعالى في سورة النحل: «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَاياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»۲ وكقوله تعالى في سورة فصّلت: «سُنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ»۳ وكقوله تعالى في سورة المرسلات: «أَلَمْ نَخْلُقكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ»۴ وكقوله تعالى في سورة الروم: «وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَاياتٍ لِلْعالَمِينَ» إلى غير ذلك بصريحها تنبيهات على وجود الصانع الإله الحقّ البديهي الوجود الفطري؛ لأنّ هذا القدر كافٍ للعوامّ، ومبنى الكلّ على أنّ دلالة الأثر على المؤثّر، والمصنوع على الصانع، كدلالة البناء على الباني، مع أنّه من العلل المُعدّة على التحقيق من خلائل ۵ البديهيّات، وحديث الأعرابي الذي قد مرّ ذكره ۶ مبتنٍ على ذلك.
وقال بعض المحقّقين: مبناه على أنّ افتقار الممكن إلى الموجد، والحادث إلى المحدث ضروريٌ يشهد به الفطرة، وأشارت إلى وجود الواجب بالذات للخواصّ.
أمّا بناءً على مسلكنا ـ كما سيجيء إن شاء اللّه تعالى ـ فبالاستدلال بالصانع على كونه واجب الوجود بالذات بالبرهان اللمّي ـ الصريح الذي هو الاستدلال بالعلّة على المعلول ـ وهو أشرف وأوثق؛ لأنّه أوفق البراهين في إعطاء اليقين.

1.البقرة (۲): ۱۶۴.

2.النحل (۱۶): ۱۲.

3.فصّلت (۴۱): ۵۳.

4.المرسلات (۷۷): ۲۰.

5.كذا.

6.مرّ في ص؟؟؟


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
338

۰.ويَدْعُوَهم إلى عبادته حتّى لا يَختَلِفَ منهم اثنانِ؟ ولِمَ احتَجَبَ عنهم وأرسَلَ إليهم الرسلَ؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرَبَ إلى الإيمان به . فقال لي : «ويلك وكيف احْتَجَبَ عنك مَن أراك قدرتَه في نفسك : نُشُوءَكَ ولم تَكُنْ ، وكِبَرَك بعد صِغَرِكَ ، وقُوَّتَك بعد ضَعْفِك ، وضَعْفَكَ بعد قوّتِك ، وسُقْمَك بعد صِحّتِك ، وصحّتَكَ بعد سُقْمك ، ورضاك بعد غَضَبِك ، وغَضَبَك بعد رضاك ، وحُزنَك بعد فَرَحِك ، وفرحَك بعد حُزْنك ، وحُبَّك بعد بغضك ، وبُغضَك بعد حُبّك ، وعَزْمَك بعد أناتك ، وأناتَك بعد عزمك ، وشهوتَك بعد كراهتك ، وكراهتَك بعد شهوتك ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورهبتَك بعد رغبتك ، ورجاءَك بعد يأسك ، ويأسَك بعد رجائك ، وخاطرَك بما لم يَكُنْ في وهمك ، وعُزُوبَ ما أنت مُعتَقِدُه عن ذهنك» . وما زالَ يُعَدِّدُ عَلَيَّ قدرتَه التي هي في نفسي التي لا أدفَعُها حتّى ظننتُ أنّه سيَظْهَرُ فيما بيني وبينه .

أو استعمل الخاطر على صيغة الفاعل بمعنى المصدر، كما في قمتُ قائما، ويكون المعنى خطورك بما لم يكن في وهمك، من باب القلب؛ فإنّ الأصل خطور ما لم يكن في وهمك ببالك. وهذا إشارة إلى ما يحصل في الذهن بعدما لم يكن في شيء من المدارك أصلاً حتّى الوهم.
والعزوب ـ بضمّ العين المهملة والزاي ـ : الغيبة، يقال: عزب عنّي فلان، أي بَعُدَ وغاب، والمراد زوال ما كان قويّ الثبوت في الذهن، فلا يكون يزول عنه إلّا بمزيل.
وقوله: (يُعَدِّدُ عَلَيَ قدرتَه) أي آثار قدرته.
وقوله: (لا أدفَعُها) أي لا يمكنني دفعها وإنكارها؛ لبداهتها.
وقوله: (حتّى ظننتُ أنّه) أي صانع العالم الإله الحقّ (سيظهر) مشاهدا محسوسا (فيما بيني وبينه) وهذا على سبيل المبالغة في كمال ظهوره ـ تعالى شأنه ـ بهذه التنبيهات والبيانات، والحمد للّه الذي برهانه أن ليس شأن ليس فيه شأنه.
وتحقيق المقام أنّ في كلامه عليه السلام في هذا المقام تنبيهاتٍ على وجود الصانع الإله الحقّ، ودلائلَ على قدرته وإرادته وعلمه وحكمته وحياته وكونه مستحقّا للعبادة، وإشاراتٍ إلى براهين إثبات الواجب بالذات، بل كلّ ما وقع في الكلام المجيد والأحاديث من بيان

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126326
صفحه از 739
پرینت  ارسال به