بالقياس إلى بعض النظريّات في مرتبة العقل الهيولاني، وإلى بعضها في مرتبة العقل بالملكة، وإلى بعضها في مرتبة العقل بالفعل، وإلى بعضها في مرتبة العقل المستفاد.
وقد يعتبر العقل بالفعل بالقياس إلى جميع المدركات النظريّة أو أكثرها، وذلك المعنى ما هو المأخوذ في تعريف الحكمة، كما سيجيء ۱ .
وقد يعتبر العقل المستفاد بالقياس إلى جميع المدركات معا، وهو أن يصير جميعها حاضرا مشاهدا بحيث لا يغيب شيء منها أصلاً، وهو بهذا المعنى يكون في دار القرار، وفي دار الدنيا أيضا للنفوس القويّة التي لا يشغلها شأن عن شأن، فكأنّهم في جلابيبَ ۲ من أبدانهم قد نضوها ۳ وانخرطوا في سلك المجرّدات التي تشاهد معقولاتها دائما، فهو بهذا المعنى إنّما يكون غاية المراتب ومنتهاها.
وأمّا إذا اُخذ بالقياس إلى كلّ مدرك، فباعتبار الحدوث مقدّم على العقل بالفعل، وباعتبار البقاء مؤخّر عنه.
أمّا الأوّل ، فلأنّ العقل بالفعل استعداد لاسترجاع الكمال واسترداده، فهو متأخّر في الحدوث عن العقل المستفاد؛ لأنّ المدرك ما لم يشاهد مرّاتٍ كثيرة لا يصير ملكة.
وأمّا الثاني، فلأنّ المشاهدة تزول بسرعة، فتبقى ملكة الاستحضار مستمرّة، فيتوصّل بتلك الملكة إلى مشاهدته مرّة بعد اُخرى لينتهي إلى بقاء المشاهدة واستمرارها، فمنهم من نظر إلى التقدّم في الحدوث، فجعله مرتبة ثالثة، ومنهم من نظر إلى التأخّر في البقاء، فجعله مرتبة رابعة، والعلّة في وجه جعله المرتبة الرابعة اعتباره بالقياس إلى جميع المدركات معا، كما مرّ آنفا؛ هذا.
اعلم أنّ للعقل العملي أيضا أربعَ مراتبَ: