35
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

بالقياس إلى بعض النظريّات في مرتبة العقل الهيولاني، وإلى بعضها في مرتبة العقل بالملكة، وإلى بعضها في مرتبة العقل بالفعل، وإلى بعضها في مرتبة العقل المستفاد.
وقد يعتبر العقل بالفعل بالقياس إلى جميع المدركات النظريّة أو أكثرها، وذلك المعنى ما هو المأخوذ في تعريف الحكمة، كما سيجيء ۱ .
وقد يعتبر العقل المستفاد بالقياس إلى جميع المدركات معا، وهو أن يصير جميعها حاضرا مشاهدا بحيث لا يغيب شيء منها أصلاً، وهو بهذا المعنى يكون في دار القرار، وفي دار الدنيا أيضا للنفوس القويّة التي لا يشغلها شأن عن شأن، فكأنّهم في جلابيبَ ۲ من أبدانهم قد نضوها ۳ وانخرطوا في سلك المجرّدات التي تشاهد معقولاتها دائما، فهو بهذا المعنى إنّما يكون غاية المراتب ومنتهاها.
وأمّا إذا اُخذ بالقياس إلى كلّ مدرك، فباعتبار الحدوث مقدّم على العقل بالفعل، وباعتبار البقاء مؤخّر عنه.
أمّا الأوّل ، فلأنّ العقل بالفعل استعداد لاسترجاع الكمال واسترداده، فهو متأخّر في الحدوث عن العقل المستفاد؛ لأنّ المدرك ما لم يشاهد مرّاتٍ كثيرة لا يصير ملكة.
وأمّا الثاني، فلأنّ المشاهدة تزول بسرعة، فتبقى ملكة الاستحضار مستمرّة، فيتوصّل بتلك الملكة إلى مشاهدته مرّة بعد اُخرى لينتهي إلى بقاء المشاهدة واستمرارها، فمنهم من نظر إلى التقدّم في الحدوث، فجعله مرتبة ثالثة، ومنهم من نظر إلى التأخّر في البقاء، فجعله مرتبة رابعة، والعلّة في وجه جعله المرتبة الرابعة اعتباره بالقياس إلى جميع المدركات معا، كما مرّ آنفا؛ هذا.
اعلم أنّ للعقل العملي أيضا أربعَ مراتبَ:

1.سيجيء في ص ۳۹.

2.في هامش النسخة: الجلباب كسِرداب: القميص (ق). القاموس المحيط، ج ۱، ص ۱۷۳ (جلب).

3.في هامش النسخة: نَضَاهُ من ثوبه: جرّده (ق). القاموس المحيط، ج ۴، ص ۵۷۴ (نضو).


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
34

أنّه نور روحاني به تُدرك النفسُ العلومَ الضروريّةَ والنظريّةَ، وابتداءُ وجوده عند اجتِنانِ الوَلَد، ثمّ لا يزال يَنْمُو إلى أن يَكْمُلَ عند البلوغ ۱ » انتهى.
والرابع: مراتب العقل النظري وهي أربعة:
المرتبة الاُولى: العقل الهيولاني، وهو الاستعداد البعيد من النفس نحوَ الكمالات النظريّة، وذلك محض قابليّتها للإدراكات، كما يكون للطفل من قابليّة الكتابة، ويسمّى النفسَ في هذه المرتبة وقوّتها النظريّة أيضا فيها بهذا الاسم، وكذا الحال في سائر المراتب يطلق الأسماء على المراتب أنفسها، وعلى النفس الناطقة في تلك المراتب، وعلى قوّتها النظريّة فيها.
ووجه التسمية بهذا الاسم التشبيه بالهيولى الاُولى الخالية في نفسها عن الصور كلّها، المستعدّة لقبولها.
والمرتبة الثانية: العقل بالملكة، وهو استعدادها المتوسّط الراسخ لتحصيل النظريّات بعد حصول الضروريّات، كما يكون للاُمّي المستعدّ لتعلّم الكتابة.
والمرتبة الثالثة: العقل بالفعل، وهو استعدادها القريب، وإقدارها على استحضار النظريّات متى شاءت من غير افتقار إلى كسب جديد؛ لكونها مكتسبة مخزونة تحضر بمجرّد الالتفات، كما يكون للقادر على الكتابة حين لا يكتب وله أن يكتب متى شاء من غير تجشّم كسب جديد، وإنّما يسمّى بهذا الاسم لشدّة القرب من الفعل.
والمرتبة الرابعة: العقل المستفاد، وهو كمالها بأن تحصل النظريّات مشاهدة مستفادة من العقل الفعّال الذي يُخرج نفوسَنا من القوّة إلى الفعل فيما له من الكمالات، كما يكون في الكاتب بالفعل.
ثمّ هذه المراتب تعتبر بالقياس إلى كلّ نظري فيختلف الحال؛ إذ قد يكون النفس

1.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۷ وفيه: «التمييز بين القبح و الحسن».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125407
صفحه از 739
پرینت  ارسال به