341
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

متناهٍ ـ يجب أن يستند في الوجود إلى الواجب بالذات، سواء كان بلا واسطة أو بالواسطة.
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى تقرير كلامه عليه السلام على وجه يظهر منه جميع المطالب المذكورة وهو أنّه لمّا وجدتَ في نفسك هذه الأفعال الحادثة المختلفة المتبدّلة المحكمة المتقنة غايةَ الإتقان، المتضمّنة لحِكَم ومصالح كثيرة لا تعدّ ولا تحصى لا سيّما ممّا يتعلّق بأجزائك وأعضائك، وهي ليست من مقدوراتك وأفعالك ضرورةً، علمت أنّ لها بارئا صانعا واجبا بالذات قادرا مختارا مريدا عالما حكيما مستحقّا للعبادة.
[دلالة الأفعال الحادثة الصانع] أمّا دلالتها على وجود الصانع بالضرورة على وجود الواجب بطريق البرهان، فقد مرّ بيانهما آنفا.
فإن قلت: الأحوال الحادثة التي عدّدها عليه السلام لا شكّ في أنّها ليست من فعل النفس الإنسانيّة، وأنّها من فاعل مباين قادر على إحداثها بعد ما لم يكن، ولا يجوز إنكار ذلك على من يعدّ من العقلاء، إلّا قوله عليه السلام : (وعزمك بعد أناتك، وأناتك بعد عزمك) فإنّه قد قيل: إنّ العزم من الأفعال الاختياريّة للعباد.
قلنا: العزم هو توطين النفس على أحد الأمرين بعد سابقة التردّد فيهما، وذلك التوطين يقبل الشدّة والضعف، ويتقوّى شيئا فشيئا حتّى يبلغ إلى درجة الجزم، ثمّ بعد ذلك ينتهي إلى مرتبة قصد الفعل، وهو ما نجد من أنفسنا حين إيجاد الفعل، فالعزم هو إرادة سابقة على الفعل بالزمان، والقصد هو إرادة مقارنة للفعل، فلا يكون العزم مغايرا للإرادة كما توهّمته الأشاعرة، بل إنّما هو من مراتب الإرادة المخصّصة المرجّحة لأحد طرفي المقدور على الآخر، سواء كانت نفسَ الداعي إلى الفعل ـ كما ذهب إليه أكثر المعتزلة والمحقّق


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
340

۰.عنه ، عن بعض أصحابنا ، رَفَعَهَ ، وزادَ في حديث ابن أبي العوجاء حين سَألَه أبو عبداللّه عليه السلام قال : عادَ ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبداللّه عليه السلام فجَلَسَ وهو ساكتٌ لا يَنطقُ ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «كأنَّكَ جئتَ تُعيدبعض ما كُنّا فيه؟» فقال : أردتُ ذلك يا ابن رسول اللّه . فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «ما أعجَبَ هذا ، تُنْكِرُ اللّهَ وتَشهَدُ أنّي ابنُ رسولِ اللّه !» . فقال : العادةُ تَحْمِلُني على ذلك . فقال له العالم عليه السلام : «فما يَمنَعُكَ من الكلام؟» قال : إجلالاً لك ومَهابةً ما يَنطلِقُ لساني بين يديك ، فإنّي شاهَدْتُ العلماءَ وناظرتُ المتكلّمين فما تَداخَلَني هيبةٌ قطُّ مثلُ ما تَداخَلَني من هيبتك ، قال : «يكونُ ذلك ، ولكن أفتَحُ عليك بسؤال» وأقبَلَ عليه ، فقال له : «أمصنوعٌ أنت أو غيرُ مصنوعٍ؟» فقال عبدُالكريم بن أبي العوجاء : بل أنا غيرُ مصنوعٍ ، فقال له العالم عليه السلام : «فصِفْ لي لو كنتَ مصنوعا كيف كنتَ تكون؟» فبَقِيَ عبدالكريم مَلِيّا لا يُحير جوابا ، و وَلعَ بخَشَبَةٍ كانت بين يديه ، وهو يقول : طويلٌ ، عريضٌ ، عميقٌ ، قصيرٌ ، متحرّكٌ ، ساكنٌ ، كلُّ ذلك صِفَةُ خَلْقه ، فقالَ له العالم : «فإن كنتَ لم تَعْلَمْ صِفَةَ الصَّنْعَةِ غيرَها ، فَاجْعَلْ نفسَك مصنوعا لما تَجِدُ في نفسك ممّا يَحْدُثُ من هذه الأُمورِ» .

وأمّا بناءً على سائر المسالك فبانضمام بعض المقدّمات المطويّة في الكلام إلى كلّ واحد من هذه الآيات والأحاديث حتّى صار برهانا تامّا على وجود الواجب. وفي تصريحه تعالى في كثير من المواضع بأنّ تلك الآيات ۱ إنّما هي لقوم يعقلون إشارةً إلى أنّ الخواصّ يتفطّنون بهذه الضمائم المطويّة، ويبرهنون على وجود الواجب. وهذا بأن يقال: هذا الصانع إن كان هو الواجب الخالق فذاك، وإن كان ممكنا فله علّة موجودة؛ لأنّ كلّ ممكن موجودٍ محتاج إلى مؤثّر موجود مباين، إمّا بالضرورة ـ كما هو الحقّ الذي صرّح به جمع من المحقّقين ـ أو بحكم المقدّمات الثلاث السالفة إن كان نظريا، وحينئذٍ ننقل الكلام إلى علّته، ويجب أن ينتهي إلى الواجب بالذات؛ لاستحالة الدور والتسلسل.
أو يقال: وإن كان ممكنا فلا بدّ له من مبدأ مباين له واجب بالذات؛ لما برهن عليه سابقا في شرح الحديث الأوّل من أنّ الممكن ـ سواء كان واحدا أو متعدّدا، متناهيا أو غير

1.في هامش النسخة: فهي آيات، أي دلائل وبراهين لهم المبهمات للجميع (منه عفي عنه).

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125445
صفحه از 739
پرینت  ارسال به