343
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

أحدهما، فثبت أنّ إرادة العبد وعزمه ليست ۱ من فعل نفسه كما توهّمه بعض القاصرين، بل من فاعل مباين قادر، ولا يوجب ذلك الجبرَ كما سيجيء تحقيقه إن شاء اللّه تعالى.
ثمّ هذا الكلام منه عليه السلام إجمال لما فصّله أمير المؤمنين عليه السلام في الحديث الذي نقله ابن بابويه في كتاب التوحيد حيث قال: إنّ رجلاً قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين بِمَ عرفت ربّك؟ قال: «بفسخ العزم ونقض الهمم ۲ ، لمّا همّمت فحيل بيني وبين همّي، وعزمت فخالف القضاء عزمي، علمت أنّ المدبّر غيري» ۳ .
[دلالة الأفعال الحادثة المتقنة على قدرته و اختياره تعالى] وأمّا دلالتها على قدرته واختياره فلوجوه:
الأوّل: أنّ هذه الأفعال اُمورٌ حادثةٌ بعد ما لم تكن، متبدّلةٌ متغيّرةٌ غير ثابتة على حالة واحدة، فيجب أن يكون فاعلها قادرا مختارا يفعل بمشيّته؛ لأنّه قد أحدث تلك الاُمور بعد ما لم تكن ۴ ، ثمّ أزالها بعد إثباتها، ثمّ أثبتها بعد إزالتها، وبالضرورة أثر الموجب لا يمكن أن يكون كذلك؛ لأنّه يمتنع انفكاكه عنه.
فإن قلت: هذا إنّما يتمّ إذا كان صانع هذه الآثار واحدا، لِمَ لا يجوز أن يكون لكلّ فعل منها صانع موجب مغاير لصانع الآخر؟
قلنا: هذا باطل من وجهين:
أوّلهما: أنّ ما هو الضروري الفطري هو وجود الصانع الواحد للعالم، وهذه وأمثالها منبّهات على وجود ذلك الصانع الواحد كما سيجيء تفصيله إن شاء اللّه تعالى.
وثانيهما: أنّ تلاؤم ما في الشخص الإنساني ـ من الأجزاء والأعضاء والقوى والآلات

1.في النسخة: «ليس».

2.في بعض المصادر: «الهمّ».

3.كتاب التوحيد، ص ۲۸۸، باب ۴۱، ح ۶؛ الخصال، ص ۳۳، باب الاثنين، ح ۱؛ مختصر بصائر الدرجات، ص ۱۳۲؛ بحار الأنوار، ج ۳، ص ۴۲، ح ۱۷.

4.في النسخة: «لم يكن».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
342

الطوسي رحمه الله ۱ وهو اعتقادُ النفع، أو ظنُّه ممّن يؤثّر الخير بحيث يمكن حصول ذلك النفع إذا لم يكن هناك نافع، وحينئذٍ يكون الكراهة نفس الداعي إلى الترك وهو اعتقادُ الضرّ، أو ظنُّه ممّن يؤثّر تركه إذا لم يكن هناك مانع ـ أو ميلاً يعقب اعتقادَ النفع، أو ظنَّه، وحينئذٍ يكون الكراهة انقباضا يعقب اعتقادَ الضرّ، أو ظنَّه كما ذهب إليه بعض المعتزلة، أو أمرا ثالثا كما ذهب إليه الأشاعرة.
وعلى أيّ تقدير لا يجوز أن يكون الإرادة مقدورةً للعبد، وإلّا لكانت مسبوقة لمرجّح منه، والمرجّحُ القريب لكلّ فعل اختياري إرادةُ الفاعل وعزمُه عليه، وننقل الكلام إلى تلك الإرادة والعزم حتّى تنتهي إلى إرادة وعزم غير مستند إلى العبد؛ لاستحالة التسلسل، على أنّا نعلم بالضرورة عدم تعدّد العزم والإرادة، وأنّ لنا عزم واحد ۲ على الفعل.
وما توهّمه الجبائي ۳ ـ من جواز وقوع الإرادة والعزم بقدرة العبد على تقدير إقدار اللّه تعالى إيّانا على الإرادة بلا ترجيح بالإرادة بالعزم ـ يؤدّي إلى تجويز الترجّح بلا مرجّح، أو عدّ ما يستند إلى العبد لا بإرادة منه فعلاً اختياريا مقدورا له، ولم يذهب وهم واهم إلى

1.كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص ۴۰۲ ، في المسألة الرابعة في أنّه تعالى مريد. وفيه: «والمعتزلة اختلفوا، فقال أبو الحسين: إنّها نفس الداعي، وهو الذي اختاره المصنّف وقال أبو عليّ وأبو هاشم: إنّ إرادته حادثة لا في محلّ». وقال العلّامة في نهج الحقّ، ص ۱۳۱ في المطلب الخامس عشر: «ذهبت الإماميّة وجميع المعتزلة إلى أنّ الإنسان مريد لأفعاله، بل كلّ قادر فإنّه مريد؛ لأنّها صفة تقتضي التخصيص، وأنّها نفس الداعي. وخالفت الأشاعرة في ذلك، فأثبتوا صفة زائدة عليه».

2.كذا. والأولى: «عزما واحدا».

3.قال الإيجي في المواقف، ج ۲، ص ۱۰۹ في المقصد الرابع في الإرادة: «وأمّا إذا فسّرت [الإرادة] بما اختاره من أنّها صفة مخصّصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع ، فلا يجوز تعلّقها بنفسها؛ لأنّ إرادتنا ليست مقدورة لنا، وإلّا احتاج حصولها فينا إلى إرادة اُخرى، وهكذا إلى ما لا يتناهى. اللّهمّ إلّا أن يذكروا هذا الفرق على تقدير إقدار اللّه تعالى إيّانا على الإرادة؛ فإنّ العلماء بناءً على هذا التقدير اختلفوا في أنّ تلك الإرادة المقدورة هل تكون مرادة للعبد بإرادة اُخرى أو لا؟ أوجبه الأشاعرة؛ إذ لا يصدر فعل عن فاعل قادر عالم ، بل ذاكر له إلّا بإرادته. وقال الجبائي: يستحيل كون الفاعل للإرادة مريدا لها بإرادة اُخرى».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142774
صفحه از 739
پرینت  ارسال به