حتّى الحكماء صرّحوا بأنّ فاعل الأفعال المحكمة المتقنة عالم مريد، والشيخ الرئيس في النجاة صرّح بأنّ أعضاء الحيوانات لما فيها من الدقائق والمنافع والارتباط والانتفاع ـ غير صادرة عن الطبيعة، وإنّما هي صادرة عن علم وإرادة.
ولا يخفى على من أنصف أنّ هذا التصريح والاعتراف متضمّن للاعتراف بالحكم الذي أشرنا إليه، فإنّ إتقان الأفعال لا يدلّ على علم فاعلها إلّا إذا كان ذلك الفاعل واحدا. وأمّا إذا كان كلّ جزء من الفعل صادرا عن فاعل آخر، فلا يلزم من الإحكام والإتقان علم فاعل.
وبالجملة، دعوانا أنّ الحكم بوحدة فاعلِ مثلِ تلك الاُمور المرتبطة المتعانقة ـ التي [هي ]بمنزلة أمر واحد ـ ليس أبعد ولا أخفى من الحكم، بعلم فاعل الفعل المحكم بل لعلّه أجلى، وهو معتبر ضمنا في الحكم بعلم الفاعل الذي فعله محكم.
ثمّ بعد المقدّمتين نقول: إنّ النظر في السماوات والأرض وسائر أجزاء العالم يفيد الحكم بأنّها مرتبطة متعلّقة بعضها ببعض، منتفعة بعضها عن بعض، مترتّبةٌ على نظامها وتعانقها فوائدُ كأنّها أمر واحد.
وفي رسائل إخوان الصفا ۱ بيان أنّ العالم كلّه حيوان واحد.
والعظيم أرسطاطاليس صرّح بأنّ العالم حيوان واحد ۲ .
وفي تفسيري الكبير والنيشابوري بيانات لمنافع السماوات والأرضين.
فبالمقدّمة الثانية يعلم أنّ العالم لو كان مصنوعا كان صانعه واحدا، لكنّه مصنوع مخلوق فخالقه وصانعه واحد، وهذا ما أردناه.