345
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

حتّى الحكماء صرّحوا بأنّ فاعل الأفعال المحكمة المتقنة عالم مريد، والشيخ الرئيس في النجاة صرّح بأنّ أعضاء الحيوانات لما فيها من الدقائق والمنافع والارتباط والانتفاع ـ غير صادرة عن الطبيعة، وإنّما هي صادرة عن علم وإرادة.
ولا يخفى على من أنصف أنّ هذا التصريح والاعتراف متضمّن للاعتراف بالحكم الذي أشرنا إليه، فإنّ إتقان الأفعال لا يدلّ على علم فاعلها إلّا إذا كان ذلك الفاعل واحدا. وأمّا إذا كان كلّ جزء من الفعل صادرا عن فاعل آخر، فلا يلزم من الإحكام والإتقان علم فاعل.
وبالجملة، دعوانا أنّ الحكم بوحدة فاعلِ مثلِ تلك الاُمور المرتبطة المتعانقة ـ التي [هي ]بمنزلة أمر واحد ـ ليس أبعد ولا أخفى من الحكم، بعلم فاعل الفعل المحكم بل لعلّه أجلى، وهو معتبر ضمنا في الحكم بعلم الفاعل الذي فعله محكم.
ثمّ بعد المقدّمتين نقول: إنّ النظر في السماوات والأرض وسائر أجزاء العالم يفيد الحكم بأنّها مرتبطة متعلّقة بعضها ببعض، منتفعة بعضها عن بعض، مترتّبةٌ على نظامها وتعانقها فوائدُ كأنّها أمر واحد.
وفي رسائل إخوان الصفا ۱ بيان أنّ العالم كلّه حيوان واحد.
والعظيم أرسطاطاليس صرّح بأنّ العالم حيوان واحد ۲ .
وفي تفسيري الكبير والنيشابوري بيانات لمنافع السماوات والأرضين.
فبالمقدّمة الثانية يعلم أنّ العالم لو كان مصنوعا كان صانعه واحدا، لكنّه مصنوع مخلوق فخالقه وصانعه واحد، وهذا ما أردناه.

1.رسائل إخوان الصفاء وخلّان الوفاء، ج ۲، ص ۲۴ ـ ۲۵، الرسالة الثانية من الجسمانيّات، فصل في بيان معرفة قول الحكماء: «إنّ العالم إنسان كبير»؛ وج ۳، ص ۲۱۲، الرسالة الثالثة من النفسانيّات العقليّات في معنى قول الحكماء: «إنّ العالم إنسان كبير».

2.اثولوجيا، ص ۷۸.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
344

والأحوال على ما يشهد عليه علم التشريح ـ يدلّك على وحدة صانعه. وقد سلك بعض الفضلاء هذا المسلك في بيان وحدة الإله الخالق للعالم وقال:
قد سلكه أرسطاطاليس فإنّه استدلّ على وحدة الإله بوحدة العالم، ولعلّ هذا المسلك أنفع للعبادة من توحيد الواجب بالذات، ثمّ قال: فنقول:
مقدّمة [اُولى]: الأمر الواحد في نفس الأمر قسمان:
أوّلهما أن يكون له أجزاء بالفعل.
وثانيهما أن يكون بسيطا لا جزء له بالفعل.
ثمّ القسم الأوّل ينقسم بحسب الاحتمال إلى قسمين:
أوّلهما: أن يكون لبعض تلك الأجزاء حاجة إلى بعض آخر، وتلك الحاجة إمّا في الذات، أو في الصفات، أو في الآثار والأفعال. وعلى كلّ حال يكون الأجزاء متعلّقة مرتبطة بعضها ببعض، منتفعة بعضها من بعضٍ، بوجه لا ينتظم حال بعض دون غيره كأعضاء حيوان واحد مثل الإنسان، فإنّ من عرف التشريح عرف ارتباطَ الأعضاء وانتفاعَ بعضها من بعض، وعدمَ انتظام حال بعض بدون آخر، وكيفيّةَ الربط والتعلّق بحيث يتأثّر كلّ بتأثّر صاحبه، فيتألّم بألمه، ويلتذّ بلذّته، ويرسل الدم إلى عضو فيه ضعف.
وثانيهما: أن لا يكون كذلك، ولم يكن لشيء من أجزائه احتياج إلى شيء بوجه.
مقدّمة ثانية: أنّ الاُمور المتعدّدة إذا كانت مرتبطة متعلّقة بعضها ۱ ببعض، منتفعة بعضها عن بعض، لا ينتظم حال بعضها بدون غيره، كأعضاء حيوان واحد إذا كانت مصنوعا ۲ كان صانعها واحدا؛ لشهادة الفطرة بأنّ الاُمور المرتبطة المتّسقة المنتظمة المترتّبة على تعانقها وانتظامها فوائدُه بوجهٍ كأنّها أمر واحد لا يكون إلّا فعلاً لفاعل واحد، وهذا الحكم مثل الحكم بأنّ فاعل الفعل المتقن عالم، بل نقول: إنّ العلماء

1.في النسخة: زيادة: «منتفعة بعضها».

2.الظاهر : «مصنوعة».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142844
صفحه از 739
پرینت  ارسال به