349
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

وأمّا الصغرى فلما ثبت من أنّه خالق للأفلاك والعناصر بما فيها من الأعراض والجواهر وأنواع المعادن والنبات وأصناف الحيوانات على اتّساق وانتظام وإتقان وإحكام تحيّر فيه العقول والأفهام، ولا تفي بتفاصيلها الدفاتر والأقلام على ما يشهد بذلك علم الهيئة وعلم التشريح وعلم الآثار العِلويّة والسفليّة وعلم الحيوان والنبات، مع أنّ الإنسان لم يُؤْتَ من العلم إلّا قليلاً، ولم يجد إلى الكثير سبيلاً، فكيف إذا رقى إلى عالم الروحانيّات من الأرضيّات والسماويّات، وإلى ما يقول به الحكماء من العقول المجرّدة؟
فإن قيل: إنّ ما اُريد الانتظام والإحكام من كلّ وجه بمعنى أنّ تلك الآثار مرتّبةٌ ترتيبا لا خلل فيه أصلاً، وملائمةٌ للمنافع والمصالح المطلوبة منها بحيث لا يتصوّر ما هو أوفق منه وأصلح، فظاهر أنّها ليست كذلك بل الدنيا طافحة بالشرور والآفات، وإن اُريد في الجملة ومن بعض الوجوه، فجلّ آثار المؤثّرات من غير العقلاء بل كلّها كذلك، فإنّ تبريد الماء وتسخين النار ينتفع بهما.
قلنا: المراد اشتمال الأفعال والآثار على لطائف الصنع وبدائع الترتيب وحسن الملاءَمة للمنافع، والمطابقة للمصالح على وجه الكمال وإن اشتمل بالعرض على نوع من الخلل، وجوّز في بادئ الرأي وأوّل النظر أن يكون فوقه ما هو أكمل والعلم بأنّ مثل ذلك لم يصدر إلّا عن العالم الضروري سيّما إذا تكرّر وتكثّر، وخفاء الضروري على بعض العقلاء جائز ۱ .
فإن قيل: قد يصدر عن بعض الحيوانات العُجم أفعال متقنة محكمة في ترتيب مساكنها، وتدبير معايشها كما للنحل وكثير من الوحوش والطيور على ما هو في الكتب مسطور، وفيما بين الناس مشهور، مع أنّها ليست من اُولي العلم.
قلنا: لو سلّم أنّ موجد هذه الآثار هو هذه (ظ) الحيوانات فلِمَ لا يجوز أن يكون فيها من العلم قدر ما تهتدي إلى ذلك بأن يخلقها اللّه تعالى عالمة بذلك، أو يلهمها حين ذلك الفعل.

1.في هامش النسخة: وإن كان بعد التأمّل في النظر في الزمان يحكم العاقل بأنّ نظام الموجودات على وجه لا يمكن أن توجد إلّا منه (منه عفي عنه).


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
348

تعالى، وذلك ـ كما حقّقه بعض المحقّقين ـ لا ينافي حدوث العالم؛ لأنّ الإرادة متعلّقة في الأزل بوجود الفعل فيما لا يزال دون الأزل، ضرورة أنّ القدرة تؤثّر على وفق الإرادة، ويكون مرجّح تعلّق الإرادة بوجود الفعل في ذلك الوقت هو كونه أصلح على نحو ما قال الحكماء في نظام العالم.
وهذا هو بعينه ما قال الغزالي في جواب الخيّام حيث سأل الخيّام منه عن مخصّص إيجاد العالم في الآن الذي أوجده وليس قبله زمان، بعد أن سأل الغزالي منه عن مخصّص مقدار الفلك الأعلى، ومخصّصات مناطق الأفلاك، ومخصّصات مقادير حركاتها، وأجاب عنه بأنّ تلك الاُمور هي من مقتضيات النظام الأعلى.
فقال الغزالي: وجود العالم في الآن الذي أوجده فيه هو أيضا من مقتضيات النظام الأعلى، بل نقول: إرادته تعالى هو عين علمه بأصلحيّة إيجاد العالم فيما لا يزال، وإيجاد كلّ معلول في وقته، وحينئذٍ لا حاجة إلى القول بتعلّق الإرادة أصلاً، فليس هنا إلّا الإرادة التي هي عين الداعي وعين ذاته تعالى، فليس إرادته تعالى إرادةَ إيجاد العالم مطلقا ليلزم من قِدمها قدم العالم؛ لاستحالة تخلّف المعلول عن تمام علّته، بل إنّما هي إرادةُ إيجادِ العالم فيما لا يزال، وإيجادِ كلّ شيء في وقت خاصّ، فلا يلزم من قدمها إلّا حدوث المراد؛ فأحسِن تدبّره.
[دلالة الأفعال الحادثة المتقنة على علمه تعالى] وأمّا دلالتها على علمه تعالى فلوجهين:
أحدهما: ما ذكرنا في الدليل السادس لإثبات القدرة، وتقريره من حيث العموم ـ كما هو المسطور في الكتب الكلاميّة ـ هو أنّه تعالى فاعل فعلاً محكما متقنا، وكلّ من كان كذلك فهو عالم.
أمّا الكبرى فبالضرورة، وينبّه عليه أنّ من رأى خطوطا مليحة، أو سمع ألفاظا فصيحة ينبئ عن معانٍ دقيقة، وأغراض صحيحة، علم قطعا أنّ فاعلها عالم.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125460
صفحه از 739
پرینت  ارسال به