351
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

والمفاسد الواردة على كلّ مذهب ـ مبنيّ على قياس الغائب بالشاهد، وقياس نحو علمه بنحو علم الإنسان تعالى عن ذلك، بل هو مباين بالحقيقة لنحو علم غيره في علمه بغيره ليس بحضوري ولا حصولي ولا إجمالي بل تفصيل عين ذاته، ويكون طورا وراء طور العقل، وكذا الحال في علمه بذاته فإنّه أيضا ليس بحصولي ولا حضوري، كيف وحصول الشيء في الشيء، أو حضور الشيء عند نفسه مغاير لنفسه بالضرورة، فلا يكون حينئذٍ علمه عين ذاته، بل يكون زائدا على ذاته، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
فالعلم بالمعلولات هنالك على عكس العلم عندنا، وإنّ المعلوم هنالك يجري من العلم مجرى الظلّ من الأصل؛ لأنّ نسبة مصدر الشيء إلى الشيء نسبة الأصل إلى العكس، ولا ريب في أنّ الأصل في شيئيّة العكس أتمّ من العكس في شيئيّة نفسه، يتّضح ذلك من نسبة الأمر الخارجي إلى ما في المرآة منه، فالعلم هنالك في شيئيّة المعلوم أقوى من المعلوم في شيئيّة نفسه. نعم فإنّه مُشيّيء (ظ) الشيء، ومحقّق الحقيقة، والشيء مع نفسه بالإمكان، فإنّه بين أن يكون، وبين أن لا يكون، ومع مشيّته بالوجوب وتأكّد الشيء فوق الشيء؛ فإنّه الشيء ويزيد وإن كان فهم ذلك يحتاج إلى تلطيف شديد، فعلمه تعالى بالكلّيّات والجزئيّات من حيث إنّها جزئيّة بذاته بمعنى كونه عين ذاته أتمّ وأكمل من علمه بها بحضور أنفسها عنده، ويجب إسناد ما هو الأتمّ والأكمل إليه تعالى؛ فتدبّر «وَاسْتَقِمْ كَمَا اُمِرْتَ»۱ فإنّ ذلك مسلك صحيح، وصراط مستقيم لا غبار عليه أصلاً.
[دلالة الأفعال الحادثة المتقنه على حكمته تعالى] وأمّا دلالتها على حكمته، فلأنّ العقل يحكم بالضرورة على أنّ ما يشتمل على حِكَم ومصالح لا تحصى لا يمكن صدوره إلّا عن الحكيم.

1.الشورى (۴۲): ۱۵.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
350

وأقول: الحقّ أنّ هذه الحيوانات ليست موجدة لتلك الآثار، وإنّما تكون مباشرة لها ومعدّات، لكن هذا أيضا يقتضي علمها كدلالة البناء على علم الباني، وعلم الحيوانات العجم بمعاشها ضروري، والمنازع مكابر.
وثانيهما: أنّ الفعل الصادر عن الفاعل بالقصد والاختيار لا يتصوّر إلّا مع العلم بالمقصود.
ثمّ أقول: الحقّ الحقيق بالتحقيق أنّه تعالى عالم بجميع الأشياء كلّيّاتها وجزئيّاتها على الوجه الجزئي ذواتها وصفاتها وأحوالها بحيث لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء بعلم هو عين ذاته تعالى، بمعنى أنّ ذاته بذاته مبدأ لانكشاف ذاته وسائر الأشياء موجودةً كانت، أو معدومة لذاته على سبيل التفصيل، ولانكشاف الجزئيّات على الوجه الجزئي، فهو عالم بالمبصرات على الوجه الجزئي، وذلك معنى بصره، وعالم بالمسموعات على ذلك الوجه، وذلك معنى سمعه، ونسبة علمه إلى المعلوم قبل وجوده في الخارج كنسبته إليه بعد وجوده لا يتغيّر أصلاً، فعلمه مباين بالحقيقة لعلمِ غيره كعلم الإنسان، ولجميعِ معلوماته ما عدا ذاته؛ لأنّ ذاته المباينة بالحقيقة لجميع الأشياء مبدأ لانكشاف الأشياء لها، وفي الإنسان الصور الحاصلة في الذهن مبدأ لانكشاف ذي الصور له، فعلمه مجهول الكُنْه، ممتنعٌ لغيره تصوّره بالكُنه، واجب بالذات كذاته، وإنّما هو فرد لمفهوم العلم الذي هو مبدأ لانكشاف الأشياء للعالم، وذلك المفهوم عرضي لذلك الفرد ولسائر أفراده، ونسبته إليه تعالى كنسبة الوجود المطلق إلى الوجود الخاصّ الذي هو عين ذاته تعالى، وهذا معنى قول المعلّم الثاني: واجب الوجود وجود كلّه، علم كلّه، قدرة كلّه، إرادة كلّه. والأحاديث ناطقة بذلك كما سيجيء بيانها إن شاء اللّه تعالى، فعلمه بذاته علم وعالم ومعلوم، وبغيره علم وعالم ومغاير بالحقيقة للمعلوم، والواقع عبارة عن علمه تعالى وعن الخارج.
وما قيل في شأنه ـ من أنّ علمه حضوري أو حصولي أو إجمالي، أو علمه بالبعض كعلمه بالمعلول الأوّل تفصيلي، وبما عداه إجمالي، أو لا يعلم الجزئيّات إلّا بالوجه الكلّي،

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125425
صفحه از 739
پرینت  ارسال به