353
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

وجوب عبادته له ورجحانها وجوبا عقليا، وأنّها توجب سعادته، ويعلم أنّ تاركها مستحقّ للذمّ، لكنّ العقل لا يبلغ إلى معرفة كيفيّة عبادته ونحوها، وإلى العلم بمراتب العبادات وتفاصيل السعادات المترتّبة عليها، بل يجب عليه أن يتعلّم ذلك من الشارع بوساطة الأنبياء والأوصياء صلوات اللّه عليهم أجمعين.

هداية إلهيّة

قال اللّه تعالى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ»۱
هذا هو حال المستدلّين بالمصنوع من آيات الآفاق والأنفس كأحوال الأجسام والصور والأعراض والحركات وأحكام النفوس الإنسيّة وأمثالها من جهة الإمكان الذاتي أو الحدوث الزماني على وجود الصانع الإله الحقّ الواجب بالذات، فإنّهم يستدلّون بالبراهين الإنّيّة اليقينيّة على وجود الواجب كما هو المشهور بينهم، وقال تعالى: «أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ»۲ وهذا هو حال الصدّيقين المستشهدين بالحقّ على الحقّ، وبالحقّ على غيره، وهم الذين يستدلّون بالبراهين اللمّيّة على وجود الواجب بالذات. والبرهان اللمّي هو الاستدلال بالعلّة على المعلول، والإنّي ما عداه.
توضيح ذلك أنّ الحدّ الأوسط في البرهان لا بدّ وأن يكون علّة لحصول التصديق بالحكم الذي هو المطلوب، وإلّا لم يكن برهانا على ذلك المطلوب؛ ولذلك يقال له: الواسطة في الإثبات، والواسطة في التصديق، فإن كان مع ذلك في الثبوت أيضا ـ أي علّة لثبوت ذلك الحكم في الخارج كتعفّن الأخلاط هذا ۳ قولك: هذا متعفّن الأخلاط، وكلّ متعفّن الأخلاط محموم، فهذا محموم ـ فالبرهان لمّيٌ، وإلّا فإنّيٌ، سواء كان ذلك الأوسط معلولاً لثبوت الحكم في الخارج كالحمّى في قولك: هذا محموم، وكلّ محموم متعفّن الأخلاط، فهذا متعفّن الأخلاط، ويسمّى دليلاً، أو لا يكون معلولاً له كما أنّه ليس علّة له،

1.فصّلت (۴۱): ۵۳.

2.تتمّة الآية السابقة.

3.كذا. ولعلّ الأولى: «في» بدل «هذا».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
352

[دلالة الأفعال الحادثة المتقنة على حياته تعالى]

وأمّا دلالتها على حياته، فلأنّ كلّ قادر عالم حيّ بالضرورة. والمراد بالحياة هاهنا كونه بحيث يصحّ أن يعلم ويقدر كما ذهب إليه الحكماء، وقال جمهور المتكلّمين: إنّها صفة توجب ۱ صحّة العلم والقدرة.

[دليل المؤلّف على إثبات هذه الصفات له تعالى]

فإنّي قد تفطّنت بدليل على إثبات هذه الصفات له تعالى، تقريره أنّه لا شكّ في وجود الحيّ القادر المختار المريد العالم الحكيم في العالم. وقول الجبريّة في نفي القدرة الحادثة مكابرة؛ لأنّ الفرق بين حركتي الرعشة والبطش، وحركتي السقوط والنزول ضروري، ونعلم بالبديهة أنّ هذه الصفات ـ أي الحياة والقدرة والاختيار والإرادة والعلم والحكمة ـ صفات كمال، ومقابلاتها ـ من الممات والعجز وكراهة الفاعل لما فعله والجهل والسفه ـ سمات نقص، فلو كان صانع العالم خاليا عن هذه الصفات الكماليّة تعالى عن ذلك، لزم أن يكون المعلول والمصنوع أكمل وأشرف وأعلى من صانعه، والصانع أنقص وأخسّ وأدنى من مصنوعه، والبديهة تشهد ببطلانه، فثبت أنّه تعالى متّصف بهذه الصفات الكماليّة وإن كانت حقيقة هذه الصفات فيه تعالى مغايرة لحقيقتها في المصنوعات، وكان صدق هذه المفهومات المشتركة بحقيقتها في المصنوعات، وكان صدق هذه المفهومات المشتركة على بعض أفرادها الذي هو الواجب بالذات صدقا عرضيا، والحديث لا يخلو عن إيماء إلى هذا الدليل كما لا يخفى على من له أدنى مُسكة.

[دلالة الأفعال المحدثة المتقنة على استحقاقة تعالى للعبادة]

وأمّا دلالتها على استحقاقه تعالى للعبادة، فلأنّ العاقل إذا تأمّل في صانعه وخالقه المتّصف بهذه الصفات، وعلم أنّ جميع اُموره بيده وقدرته يحكم قطعا بأنّه مستحقّ للعبادة؛ لأنّه موجده ومحييه ورازقه ومُولي جميع نعمه: عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها، ويحكم على

1.في النسخة: «يوجب».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125387
صفحه از 739
پرینت  ارسال به