المطلوب، وإن كان موجودا بوجود زائد عليه قائم به فهو أيضا معلول في وجوده، وهكذا ننقل الكلام إلى علّته حتّى ننتهي إلى الوجود القائم بنفسه؛ لاستحالة الدور والتسلسل، وهو المطلوب؛ لأنّ الوجود القائم بنفسه وجود وموجود بذاته، كما أنّ الضوء القائم بنفسه لو وجد، لكان ضوءا ومضيئا بالذات، والموجود بذاته واجب الوجود بالذات.
ولا يخفى أنّ الدليلين الأخيرين يدلّان على وجود الواجب، وعلى عينيّة وجوده أيضا.
ثمّ لا يذهب عليك أنّ الدليل الأوّل قد نُظر فيه أوّلاً إلى المفهوم الموجود المطلق وطبيعته بما هو موجود، ولا شكّ في أنّ ذلك المفهوم والطبيعة لا يقتضي شيئا من العلّيّة والمعلوليّة؛ لأنّ بعض أفراده لا يكون علّة أصلاً كالمعلول الأخير الذي لا يكون علّة لشيء، وبعض أفراده لا يكون معلولاً قطعا كالواجب بالذات، وكذا الحال في مفهوم الوجود المطلق الذي قد نظر في الدليلين الأخيرين إليه أوّلاً، فكما أنّ هذه الدلائل الثلاث من حيث الاستدلال بهذين المفهومين على الواجب بالذات ليست استدلالاً بالمعلول على العلّة، كذلك ليست استدلالاً بالعلّة على المعلول أيضا، فكيف تكون من البرهان اللمّي بل إنّما هي براهين إنّيّة، وكذا حال سائر الأدلّة التي عدّت من القسم الثاني.
وقد ألهمني اللّه تعالى بحسن توفيقه وعون تأييده مسلكا خاصّا تفرّدت به في إثبات الواجب بالذات بالبراهين اللمّيّة الصريحة على طريقة الصدّيقين الذين يستشهدون بالحقّ على الحقّ وعلى غيره، لا على الحقّ بغيره، ولا يحوم أحد إلى الآن حومَ حمى ذلك المسلك، فلو انتسب أحد بعد ذلك هذه الطريقة الأنيقة الشريفة إلى نفسه، فاعلم أنّه انتحال، وقبل الخوض في المقصود لا بدّ من تمهيد اُصول ثلاث:
الأصل الأوّل:
الحقّ أنّ وجود الإله الحقّ الصانع للعالم بديهيّ لا يحتاج إلى الإثبات بالدليل، وقد ذهب إليه جمع من المحقّقين ومنهم الإمام الرازي في المطالب العالية وأبو حامد الغزالي، وقد مرّ ذكر بعض من التنبيهات على ذلك المطلب، وننقل هنا لزيادة التوضيح تنبيهاتٍ اُخر: