357
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

المطلوب، وإن كان موجودا بوجود زائد عليه قائم به فهو أيضا معلول في وجوده، وهكذا ننقل الكلام إلى علّته حتّى ننتهي إلى الوجود القائم بنفسه؛ لاستحالة الدور والتسلسل، وهو المطلوب؛ لأنّ الوجود القائم بنفسه وجود وموجود بذاته، كما أنّ الضوء القائم بنفسه لو وجد، لكان ضوءا ومضيئا بالذات، والموجود بذاته واجب الوجود بالذات.
ولا يخفى أنّ الدليلين الأخيرين يدلّان على وجود الواجب، وعلى عينيّة وجوده أيضا.
ثمّ لا يذهب عليك أنّ الدليل الأوّل قد نُظر فيه أوّلاً إلى المفهوم الموجود المطلق وطبيعته بما هو موجود، ولا شكّ في أنّ ذلك المفهوم والطبيعة لا يقتضي شيئا من العلّيّة والمعلوليّة؛ لأنّ بعض أفراده لا يكون علّة أصلاً كالمعلول الأخير الذي لا يكون علّة لشيء، وبعض أفراده لا يكون معلولاً قطعا كالواجب بالذات، وكذا الحال في مفهوم الوجود المطلق الذي قد نظر في الدليلين الأخيرين إليه أوّلاً، فكما أنّ هذه الدلائل الثلاث من حيث الاستدلال بهذين المفهومين على الواجب بالذات ليست استدلالاً بالمعلول على العلّة، كذلك ليست استدلالاً بالعلّة على المعلول أيضا، فكيف تكون من البرهان اللمّي بل إنّما هي براهين إنّيّة، وكذا حال سائر الأدلّة التي عدّت من القسم الثاني.
وقد ألهمني اللّه تعالى بحسن توفيقه وعون تأييده مسلكا خاصّا تفرّدت به في إثبات الواجب بالذات بالبراهين اللمّيّة الصريحة على طريقة الصدّيقين الذين يستشهدون بالحقّ على الحقّ وعلى غيره، لا على الحقّ بغيره، ولا يحوم أحد إلى الآن حومَ حمى ذلك المسلك، فلو انتسب أحد بعد ذلك هذه الطريقة الأنيقة الشريفة إلى نفسه، فاعلم أنّه انتحال، وقبل الخوض في المقصود لا بدّ من تمهيد اُصول ثلاث:

الأصل الأوّل:

الحقّ أنّ وجود الإله الحقّ الصانع للعالم بديهيّ لا يحتاج إلى الإثبات بالدليل، وقد ذهب إليه جمع من المحقّقين ومنهم الإمام الرازي في المطالب العالية وأبو حامد الغزالي، وقد مرّ ذكر بعض من التنبيهات على ذلك المطلب، وننقل هنا لزيادة التوضيح تنبيهاتٍ اُخر:


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
356

على المعلول فلنقرّر ۱ هنا ثلاث براهين من القسم الثاني المسمّى باللمّي على المشهور ليتّضح لك جليّة الحال.
الأوّل: أنّ مفهوم الموجود من حيث هو موجود ينقسم بالتقسيم العقلي إلى الموجود بالذات ـ وهو الذي لا يحتاج في وجوده إلى غيره، بمعنى أن يكون ذاته بذاته كافيا في انتزاع الوجود عنه ـ وإلى الموجود بالغير بمعنى أنّه يحتاج في وجوده إلى الغير ولا يكون ذاته كافيا في انتزاع الوجود عنه، فلو كان الفرد الأوّل منه موجودا متحقّقا في الواقع ثبت المطلوب؛ لأنّه معنى الواجب بالذات، وإلّا فيجب أن يستند الفرد الثاني منه في الوجود إلى انفراد الأوّل، سواء كان بالواسطة ـ أو بدونها؛ لاستحالة الدور والتسلسل، هذا خلف محال.
الثاني: أنّ مفهوم الوجود ينقسم إلى الوجود بالذات، أي وجود غير مستفاد من الغير، وإلى الوجود بالغير، أي الوجود المستفاد من الغير، فإن كان القسم الأوّل متحقّقا فهو المطلوب؛ لأنّ ذلك واجب بالذات، وإلّا فالقسم الثاني يجب أن ينتهي إلى الأوّل؛ لأنّه يجب أن يستند إلى موجود لم يكن وجوده مستفادا ۲ من الغير، بل يكون وجوده وجودا بالذات بلا واسطة كان أو بالواسطة؛ لاستحالة الدور والتسلسل، هذا خلف محال.
الثالث: أنّ مفهوم الوجود وحقيقته ينقسم بحسب التقسيم العقلي إلى الوجود القائم بنفسه، أي غير قائم بغيره، وإلى الوجود القائم بغيره بأن يكون نعتا لغيره، سواء كان قيامه بالغير واتّصاف الغير به انضماميا أو انتزاعيا، والثاني معلول بالضرورة، وعلّته لا يمكن أن يكون نفسه وذلك ظاهر، ولا محلّه وموصوفه؛ لأنّ العلّة يجب أن يكون مقدّما على المعلول بالوجود بالضرورة، وحينئذٍ فمحلّه وموصوفه إمّا أن يتقدّم عليه بنفس ذلك الوجود وهو دور محال، أو بوجود آخر غيره، وحينئذٍ ننقل الكلام إلى ذلك الموجود وهكذا، وحينئذٍ يلزم التسلسل وكون الشيء موجودا بوجودات متعدّدة، وهما محالان، فثبت أن يكون أمرا مباينا له، وننقل الكلام إلى ذلك المباين فإن كان وجودا قائما بنفسه فهو

1.في النسخة: «ولنقرّر».

2.في النسخة: «مستفاد».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126294
صفحه از 739
پرینت  ارسال به