الحاجات بطريق مشاهدة الآثار والآيات، قال اللّه تعالى: «أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ»۱ .
ومنها: أنّ الإنسان يعلم ويعرف طبائعَ الأشياء المتكوّنة على وجه الأرض وخواصَّها، وتلك المعرفة إمّا بالقياس، أو بالتجربة، أو بإلهام وإعلام من المدبّر للعالم، لا سبيل إلى الأوّل؛ فإنّ القياس لا يجري ولا يتمّ في معرفة كلّ شيء وخاصيّتّه وذلك ظاهر، ولا إلى الثاني؛ لأنّ التجربة لا تفي بمعرفة كلّها، وكيف قدر شخص أو أشخاص على تبليغ جميع البلدان، فذاقوا شجرها شجرة شجرة ونباتا نباتا، فعلموا خاصّيّتها وطبائعها، وهي عقاقير مختلفة وألوان متباينة في بلدان متباعدة، منها عروق، ومنها لحاء، ومنها ثمر، ومنها غصن، ومنها صمغ، وكثيرة منها سموم قاتلة في تجربتها خطر عظيم ومضرّة كثيرة، وأهل هذه البلدان متفرّقون متعادون مختلفون متغالبون بالقتل والقهر والسبي والأسر، وكيف قدروا على خلطها وعرفوا قدرها حتّى علموا وزنها وحدّ مثاقيلها ووزن قراريطها، وجلّها سمّ قاتل إن زيد على قدره قَتل، وإن نقص من وزنه بطل، وكيف عرفوا مرار الطير وسائر أجزائه وسباع البرّ ودوابّ البحر طائرا طائرا وسبعا سبعا ودابّة دابّة بقتلها، وتجربة مراراتها وسائر أجزائها وأغصانها.
لا أقول: لا يعرف شيء منها بالتجربة، بل أقول: لا تفي بمعرفة كلّها. لا أظنّك في مِرية من هذا بعد التأمّل والإنصاف. فبقي أن يكون بإعلام وإلهام ممّن هو مدبّر وصانع للعالم معتنٍ بشأنه ونظامه.
وأيضا من يتأمّل في معرفة أحكام النجوم يعلم أنّه لا يعرف بالقياس وهو ظاهر، كيف، وأكثرها مخالفة للقياس... ۲ والتجربة لا يحصل لها التكرارات الكثيرة للأدوار العظيمة كأدوار الكواكب الثابتة التي لا يفي بها إلّا عمل الصورة فيما (ظ) علم إلّا إعلام وإلهام من الإله الحقّ المدبّر الصانع للكلّ.