365
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

الحاجات بطريق مشاهدة الآثار والآيات، قال اللّه تعالى: «أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ»۱ .
ومنها: أنّ الإنسان يعلم ويعرف طبائعَ الأشياء المتكوّنة على وجه الأرض وخواصَّها، وتلك المعرفة إمّا بالقياس، أو بالتجربة، أو بإلهام وإعلام من المدبّر للعالم، لا سبيل إلى الأوّل؛ فإنّ القياس لا يجري ولا يتمّ في معرفة كلّ شيء وخاصيّتّه وذلك ظاهر، ولا إلى الثاني؛ لأنّ التجربة لا تفي بمعرفة كلّها، وكيف قدر شخص أو أشخاص على تبليغ جميع البلدان، فذاقوا شجرها شجرة شجرة ونباتا نباتا، فعلموا خاصّيّتها وطبائعها، وهي عقاقير مختلفة وألوان متباينة في بلدان متباعدة، منها عروق، ومنها لحاء، ومنها ثمر، ومنها غصن، ومنها صمغ، وكثيرة منها سموم قاتلة في تجربتها خطر عظيم ومضرّة كثيرة، وأهل هذه البلدان متفرّقون متعادون مختلفون متغالبون بالقتل والقهر والسبي والأسر، وكيف قدروا على خلطها وعرفوا قدرها حتّى علموا وزنها وحدّ مثاقيلها ووزن قراريطها، وجلّها سمّ قاتل إن زيد على قدره قَتل، وإن نقص من وزنه بطل، وكيف عرفوا مرار الطير وسائر أجزائه وسباع البرّ ودوابّ البحر طائرا طائرا وسبعا سبعا ودابّة دابّة بقتلها، وتجربة مراراتها وسائر أجزائها وأغصانها.
لا أقول: لا يعرف شيء منها بالتجربة، بل أقول: لا تفي بمعرفة كلّها. لا أظنّك في مِرية من هذا بعد التأمّل والإنصاف. فبقي أن يكون بإعلام وإلهام ممّن هو مدبّر وصانع للعالم معتنٍ بشأنه ونظامه.
وأيضا من يتأمّل في معرفة أحكام النجوم يعلم أنّه لا يعرف بالقياس وهو ظاهر، كيف، وأكثرها مخالفة للقياس... ۲ والتجربة لا يحصل لها التكرارات الكثيرة للأدوار العظيمة كأدوار الكواكب الثابتة التي لا يفي بها إلّا عمل الصورة فيما (ظ) علم إلّا إعلام وإلهام من الإله الحقّ المدبّر الصانع للكلّ.

1.النمل (۲۷): ۶۲.

2.هنا كلمة لا تقرأ.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
364

وفي بعض الرسائل لأبي الحسن العامري: لولا إفاضة اللّه تعالى بنور المعرفة لما اهتدت الطبائع والأنفس لما يلائمها من المصالح ۱ .
ومنها: أنّ الارتباط الخاصّ والانتظام المخصوص الذي بين أجزاء العالم بحيث حصل منها جملة متّسقة منتظمة متعانقة متعلّقة بعضها ببعض، منتفعة شطرا منها من شطر، كأنّها موجود واحد، مترتّبة على تعانقها واجتماعها حِكَم ومصالح تدلّ بحكم الفطرة السليمة على أنّها مفعولات ومعلولات لفاعل وعلّة واحدة، هي الإله الحقّ الصانع للعالم؛ فإنّه لو لم يكن كذلك، فإن لم يكنّ معلولةً ومفعولة أصلاً بل يكون كلّ منها موجودا بالاتّفاق، أو بالوجوب الذاتي، فكان كلّ منها مستقلّاً في الوجود ومستبدّا بذاته، لم يكن بينها هذه الارتباط الخاصّ والانتظام المخصوص أصلاً؛ فإنّ الاُمور المستقلّة المستبدّة ـ التي لا تعلّق لبعضها ببعض في الوجود أصلاً بل يكون كلّ منها موجودة بالاتّفاق، أو يكون كلّ منها واجبة بالذات ـ لا يحصل بينها مثل هذا الارتباط والانتظام الخاصّ التي ۲ جعلها في حكم الموجود الواحد المترتّب على اجتماعها وارتباطها وتعانقها الحِكَم والمصالح الجليلة الجسيمة بالضرورة، يشهد بذلك الفطرةُ الصحيحة، وكذا إن كانت مفعولة ومعلولة لفواعل غير منتهية إلى علّة واحدة، لم يحصل بينها مثل هذا الارتباط والتعانق أيضا بالضرورة.
ومنها: أنّ إجابة دعوة المضطّرين، وإغاثة تضرّع الملهوفين، وكشف كُرَب المكروبين حين اضطرارهم وضيق حالهم وشدّة كربهم يدلّ دلالة ظاهرة على وجود خبير بحالهم عارف باضطرارهم، عالم بسؤالهم ودعائهم حالاً ومقالاً، قادر على كشف ما بهم من الضيق والشدّة والكرب، ومعتنٍ بشأنهم، معين وحافظ ومدبّر لهم هو الإله الحقّ الصانع للعالم؛ ولهذا قيل ۳ : ربّما يستدلّ عليه أرباب المشاهدات من جهة المكاشفات، وأصحاب

1.لم أعثر عليه في بعض رسائله المطبوعة.

2.كذا. ولعلّ الصواب : «الذي».

3.قاله الفخر الرازي في المطالب العالية، ج ۱، ص ۲۷۱.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126362
صفحه از 739
پرینت  ارسال به