إلّا عن صانع قادر حكيم مدبّر للعالم، وذلك كانفلاق البحر لموسى عليه السلام على الوجه المشهور، فإنّه تعالى أمر موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل فخرج بهم فصبّحهم فرعون وجنوده، فصادفهم على شاطئ البحر، فأوحى اللّه إليه أن اضرب بعصاك البحر، فضربه فظهر فيه اثنا عشر طريقا يابسا فسلكوها، فقالوا: يا موسى نخاف أن يغرق بعضنا ولم نعلم ۱ ، ففتح اللّه لهم كُوىً فتراؤوا حتّى عبروا البحر. ثمّ لمّا وصل إليه فرعون ورآه منفلقا، اقتحم فيه [هو] ۲ وجنوده فالتطم عليهم وأغرقهم أجمعين. ومن المعلوم أنّ انفلاق البحر على هذا الوجه لا يمكن حصوله إلّا من صانع قادر حكيم مدبّر للعالم؛ ولهذا قال القاضي في تفسيره:
اعلم أنّ هذه الواقعة من أعظم ما أنعم اللّه تعالى به على بني إسرائيل، ومن الآيات الملجئة إلى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق موسى عليه السلام ۳ .
بل نقول: الشرائع التي جاءت بها الأنبياء عليهم السلام سيّما نبيّنا محمّد صلوات اللّه عليه وآله المشتملة على جميع مصالح الدنيا والآخرة من العلوم والمعارف وقوانين الدين من سياسة الخلق من العامّة والخاصّة ومصالح الاُمّة بوجه صان بها أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وهداهم إلى محاسن الأخلاق ومحامد الآداب، ودبّر اُمور بواطنهم وظواهرهم، وأفاض عليهم من العلوم الحقيقيّة والمعارف الإلهيّة وغيرها من العلوم والحِكَم المحتاج إليها الناس في دينهم ودنياهم بدون تعلّم سَبَق، ولا ممارسة تقدّمت، ولا مطالعة للكتب يدلّ دلالة ظاهرة واضحة على أنّها من عند عليم قدير حكيم خبير، عارف بمصالح الخلق في معاشهم ومعادهم، مدبّر لهم، معتنٍ بشأنهم، وهو ما أردناه.
واستبان من ذلك أنّه يمكن أن يستفاد من ملاحظة الشرائع بالدلائل العقليّة علمُ الإله الحقّ وحكمتُه وقدرته وكثير من صفاته، بل أصل وضعها من جملة المنبّهات، بل وجوده