367
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

إلّا عن صانع قادر حكيم مدبّر للعالم، وذلك كانفلاق البحر لموسى عليه السلام على الوجه المشهور، فإنّه تعالى أمر موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل فخرج بهم فصبّحهم فرعون وجنوده، فصادفهم على شاطئ البحر، فأوحى اللّه إليه أن اضرب بعصاك البحر، فضربه فظهر فيه اثنا عشر طريقا يابسا فسلكوها، فقالوا: يا موسى نخاف أن يغرق بعضنا ولم نعلم ۱ ، ففتح اللّه لهم كُوىً فتراؤوا حتّى عبروا البحر. ثمّ لمّا وصل إليه فرعون ورآه منفلقا، اقتحم فيه [هو] ۲ وجنوده فالتطم عليهم وأغرقهم أجمعين. ومن المعلوم أنّ انفلاق البحر على هذا الوجه لا يمكن حصوله إلّا من صانع قادر حكيم مدبّر للعالم؛ ولهذا قال القاضي في تفسيره:
اعلم أنّ هذه الواقعة من أعظم ما أنعم اللّه تعالى به على بني إسرائيل، ومن الآيات الملجئة إلى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق موسى عليه السلام ۳ .
بل نقول: الشرائع التي جاءت بها الأنبياء عليهم السلام سيّما نبيّنا محمّد صلوات اللّه عليه وآله المشتملة على جميع مصالح الدنيا والآخرة من العلوم والمعارف وقوانين الدين من سياسة الخلق من العامّة والخاصّة ومصالح الاُمّة بوجه صان بها أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وهداهم إلى محاسن الأخلاق ومحامد الآداب، ودبّر اُمور بواطنهم وظواهرهم، وأفاض عليهم من العلوم الحقيقيّة والمعارف الإلهيّة وغيرها من العلوم والحِكَم المحتاج إليها الناس في دينهم ودنياهم بدون تعلّم سَبَق، ولا ممارسة تقدّمت، ولا مطالعة للكتب يدلّ دلالة ظاهرة واضحة على أنّها من عند عليم قدير حكيم خبير، عارف بمصالح الخلق في معاشهم ومعادهم، مدبّر لهم، معتنٍ بشأنهم، وهو ما أردناه.
واستبان من ذلك أنّه يمكن أن يستفاد من ملاحظة الشرائع بالدلائل العقليّة علمُ الإله الحقّ وحكمتُه وقدرته وكثير من صفاته، بل أصل وضعها من جملة المنبّهات، بل وجوده

1.في تفسير البيضاوي: «لا نعلم».

2.أثبتناه من تفسير البيضاوي.

3.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۳۳۳.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
366

وكذا معرفة الصنائع المفيدة والحرف النافعة في نظام نوع الإنسان يدلّ على وجود المدبّر للعالم المعتني بشأنه ونظامه؛ فإنّ في التجربة تغيّر بل تعذّر ۱ ، وبالجملة في استعلام الحوادث الآتية من أوضاع الفلكيات، والهداية إلى بدائع الصناعات وغرائب المعالجات وتركيب المعجونات واستخراجات الترياقات وغير ذلك دلائل واضحة على وجود المدبّر الصانع للأرض والسماوات، وأنّها إنّما حصلت بإعلامه وإلهامه، كما يحكى أنّه كان لجالينوس وجع في الكبد فرأى في المنام كأنّ آمرا أمره بفصد الشريان الذي على ظهر الكفّ اليمنى بين السبّابة والإبهام، ففعل فعوفي ۲ إلى غير ذلك من الحكايات.
ومنها: ما قال بعض العارفين: إنّ جميع أرباب الإرصاد الروحانيّة من الأنبياء والأولياء وأساطين الحكماء قديما وجديدا من الاُمم المختلفة في الدهور المتناسخة يدّعون مشاهدة الأنوار المجرّدة العقليّة ونور الأنوار مشاهدة حضوريّة، كما نقل عنهم... ۳ برصد شخص أو شخصين في اُمور فلكيّة يعتمد أصحاب النجوم والهيئة على رصد بطلميوس وبرجس وغيرهما، فكيف لا يعتمد على أساطين الحكمة والنبوّة في مشاهداتهم الروحانيّة، ومكاشفاتهم النورانيّة مع أنّ الرصد كالرصد، والإخبار كالإخبار، والطريق المؤدّي إلى معرفة حركات الكواكب وأبعادها بالرصد كالطريق المؤدّي إلى معرفة الروحانيّات بالرصد الروحاني، بل الرصد الجسماني قد يتأتّى فيه الغلط لأسباب كثيرة مذكورة في المجسطي، وأمّا الرصد الروحاني إذا أدّى إلى ملكة خلع البدن، فإنّه لا يمكن الغلط فيه، بل لا بدّ من مشاهدة الروحانيّات عند خمود القوى البدنيّة؛ فاعرف.
ومنها: أنّه يصدر عن الأنبياء صلوات اللّه عليهم في مقام التحدّي، وعن الأولياء أيضا اُمور خارقة للعادة التي يعلم بالضرورة أنّ أمثال تلك الاُمور لا تصدر ۴ عن البشر بل لا تصدر ۵

1.كذا. والأولى: «تغيّرا بل تعذّرا».

2.نقله الشيخ الرئيس في القانون، ج ۱، ص ۲۰۹، الفصل العشرون في الفصد.

3.هنا كلمة لا تقرأ.

4.في النسخة: «لا يصدر». وكذا في المورد الآتي.

5.هنا في النسخة زيادة: «إلّا عن البشر بل لا يصدر».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126343
صفحه از 739
پرینت  ارسال به