369
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

وجوده لا يوجب وجوده إلّا بالبرهان.
والتوحيدُ الذي بعث الأنبياء كلّهم لدعوة الخلق إليه ليقولوا: «لا إله إلّا اللّه » إنّما هو التوحيد الشرعي الذي عبارة عن نفي الشريك في استحقاق العبادة وغاية الخضوع والتذلّل، فإنّ المشركين كعبدة الكواكب والأصنام يعتقدون أنّها آلهة، بمعنى أنّها مستحقّة للعبادة باعتبار أنّها شفعاءُ لهم بزعمهم عند ربّ الأرباب، وإله الآلهة الذي هو الصانع الواحد للعالم، ووسائطُ بينهم وبينه تعالى. وهذا ممّا لا يستقلّ العقل بمعرفته لا بالبديهة ولا بالنظر، ويحتاج إلى تعليم الشارع.
وأمّا وحدة صانع العالم فبديهيّ مركوز في الأذهان كوجوده، لا ينكره أحد ممّن يعتدّ به، وهي «فطرة اللّه التي فَطَرَ الناسَ عليها»۱ ولذلك قال اللّه تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه »۲ .
والثنويّة لعنهم اللّه يكابرون بألسنتهم لمقتضى عقولهم، ويجحدون للشبهة الطارئة لهم ما في قلوبهم، وهل هذا الإنكار بالنسبة إلى بعضهم كإنكار بعض الزنادقة خذلهم اللّه تعالى أجمعين في أصل وجوده تعالى إلّا كالوسواس في النيّة؟ وأدنى تنبيه يكفيهم في رفع وسواسهم وإقرارهم بالحقّ إن لم يعاندوا ويجادلوا بألسنتهم.
على أنّ طائفة كثيرة ممّن يحذو حذوهم ـ من القائلين بوجود الأصلين من النور والظلمة ويزدان وأهرمن ـ قائلون بوحدة صانع الكلّ؛ فإنّ المجوس الأصليّة زعموا أنّ النور أزلي، والظلمة محدثة مخلوقة للنور، والكيومرثيّة أثبتوا أصلين: يزدان وأهرمن، وقالوا: «يزدان أزلي قديم، وأهرمن محدث مخلوق» قالوا: «إنّ يزدان فكّر في نفسه أنّه لو كان له منازع كيف يكون، وهذه الفكرة رديئة غير مناسبة لطبيعة النور، فحدث الظلام من هذه [الفكرة] ۳ ، وسمّي أهرمن، فكان مطبوعا على الشرّ والفتنة والفساد والضرر والإضرار».

1.الأنعام (۶): ۷۹.

2.لقمان (۳۱): ۲۵؛ الزمر (۳۹): ۳۸.

3.أثبتناه من الملل والنحل.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
368

البديهيّ، كما لا يخفى على من له فطرة صحيحة.
وبالجملة، جميع أجزاء العالم منبّهات على وجود المبدأ الأوّل الصانع الواحد العالم ۱ . ونعم ما قال:

برگ درختان سبز در نظر هوشيارهر ورقش دفتريست معرفت كردكار۲
واللّه وليّ الهداية.

الأصل الثاني

لا شكّ في أنّ معنى صانع العالم الإله الحقّ البديهيّ الوجود هو الخالق الواحد لجميع ما يغايره من الموجودات المحقّقة الوجود بلا واسطة كان أو بالواسطة؛ لأنّ ما تشهد ۳ عليه الفطرة الإنسانيّة وبديهة العقل هو أنّ في الوجود شيئا واحدا مبدءا وصانعا ۴ لجميع ما سواه من الموجودات المحقّقة في أحد الأزمنة المعبّر عنه بالعالم، فالبديهة حاكمة بأنّ العالم ـ أي جميع ما سوى المبدأ الواحد الإله الحقّ المركوز في الأذهان والطباع ـ مصنوعٌ ومخلوق لذلك المبدأ الواحد المركوز فيها، وذلك الواحد هو الصانع والمبدأ الأوّل للكلّ، فظهر أنّ وحدة صانع العالم كوجوده بديهيّ، بل وحدته مأخوذ في هذا المفهوم البديهيّ وجزئه، والمنبّهات السالفة تنبيهات على وجود هذا المعنى، وهذا هو المركوز في فطرة الناس على الإجمال؛ فإنّ كلّ أحد يقول بلسانه بأيّ عبارة كان: إنّه تعالى خالق الأشياء كلّها، فذلك أيضا ممّا لا يحتاج إلى دليل، وكلّ ما يقال في بيانه ـ كدليل التمانع ونحوه من جملته ما نقلناه سالفا عن بعض الفضلاء ـ منبّهات، وإنّما المحوج إلى البرهان وحدة الواجب بالذات كوجوده؛ لأنّ وحدة الصانع لا يوجب وحدة الواجب؛ لجواز تعدّد الثاني مع وحدة الأوّل، كما أنّ

1.في النسخة: «للعالم».

2.كليّات سعدى (غزليّات) وفيه: «درختان سبز پيش خداوند هوش...» ومطلعه: «دولت جان پرور است صحبت آميزگار خلوت بى مدّعى سفره بى انتظار»

3.في النسخة: «يشهد».

4.في النسخة: «شيء واحد مبدأ و صانع».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125399
صفحه از 739
پرینت  ارسال به