385
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

فإن قلت: لا معنى للواجب بالذات إلّا الموجود المستغني في وجوده عن الغير، فإذا كان وجود المبدأ الأوّل والصانع الغير المصنوع لغيره بديهيّا، فقد كان وجود الواجب بالذات بديهيّا.
قلنا: مجرّد الاستغناء عن الغير في الوجود لا يقتضي وجوبَ الوجود بالذات وامتناعَ العدم بالذات مطلقا، بل إنّما يقتضي ذلك على تقدير بطلان الترجّح بلا مرجّح، وإلّا لجاز أن يكون المستغني في وجوده عن الغير يوجد تارة، ويعدم اُخرى من غير أن يكون ذلك الوجود والعدم لذاته ولا لغيره، بل بمجرّد الاتّفاق. وبداهة بطلانه لا يضرّنا.
وأيضا على تقدير بطلان الأولويّة الذاتيّة، وإلّا لجاز أن يكون المستغني في وجوده عن الغير يوجد تارة، ويعدم اُخرى بالأولويّة الناشئة عن الذات الغير المنتهية إلى حدّ الوجوب، فيكون في وجوده مستغنيا عن الغير مع أنّه ليس واجبَ الوجود بالذات وممتنعَ العدم بالذات، بل كلّ واحد من وجوده وعدمه حينئذٍ ممكن بالنسبة إلى ذاته، فالاستغناء عن الغير في وجوده لا ينافي الإمكان الذاتي.
وبالجملة، الاستغناء عن الغير في الوجود إنّما يقتضي الوجوب الذاتي بعد ثبوت كون الإمكان علّة للاحتياج إلى الغير، المباين لوجود الممكن الخارج عنه، كيف لا؟ وقد ذهبت الطبيعيّون الدهريّون بعدم مصنوعيّة القدماء مع أنّهم قائلون بإمكانها، ومنكرون الواجب بالذات. فظهر أنّ الموجود المستغني عن الغير في وجوده ليس هو معنى الواجب بالذات حتّى يكون بداهة وجود الأوّل بداهة وجود الثاني، بل إنّما يلزم من انضمام تلك المقدّمات ـ سواء كانت بديهيّة أو نظريّة ـ إلى المعنى الأوّل أن يكون ذلك المعنى واجب الوجود بالذات كما سيجيء بيانه، وهل هذا إلّا معنى النظري؟
فظهر أنّ قولهم: «الواجب هو الموجود المستغني عن الغير في وجوده» ينعكس كلّيا في بادئ الرأي قبل إقامة البرهان عليه، وبناء الإيراد إنّما هو على توهّم انعكاسه كلّيا في أوّل النظر.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
384

يقل أحد بعد القول بوجوده بأنّه مخلوق لغيره. والزنادقة إنّما جحدوا بلسانهم أصل وجوده، فظهر أنّ كون الصانع غير مصنوع لغيره أجلى وأظهر من أصل وجوده البديهيّ.
وأيضا كلّ من له أدنى عقل وتميز حتّى الصبيان المميّزين من كلّ ملل ونحل ما عدا الزنادقة والمعطّلة المتجاهلة بأصل وجوده تعالى إذا سئل عن كون الصانع والخالق للعالم مخلوقا ومصنوعا لغيره أم لا، يجيب في بادئ الرأي بلا تأمّل وفكر بأنّ خالق العالم غير مخلوق لغيره وهذا معنى قول المحقّقين حيث قالوا: «معرفة صانع العالم بديهيّ، وإنّما يحتاج إلى البرهان إثبات كونه واجبا لذاته» وقد صرّح بعضهم بذلك حيث قال: «وجود الإله الأوّل الحقّ بديهيّ» وقال بعضهم:
إنّا نعلم بالحدس أنّ الصانع لمثل هذا العالم لا يكون إلّا غنيّا مطلقا يفتقر إليه كلّ شيء، ولا يفتقر هو إلى ۱ شيء. نقل عن بعض التّجار أنّه قال: سألت جمعا من صبايا أهل الكفر من اُمم مختلفة كان سنّ كبيرهم اثني عشر سنة، وقلت بألسنتهم: مَن خالق الربّ؟ فتعجّب كلّ واحدة منهنّ من هذا السؤال غاية التعجّب، وأسندت بعضهنّ هذا السؤال إلى الهذيان، وأجابت عنّي كلّ واحدة منهنّ بجواب، فقالت إحداهنّ: الربّ خالق؟ وضحكت اُخرى، وقالت لصاحبتها: اسمعي ما يقول هذا، يقول: مَن خالق الربّ؟ وقال لي اُخرى: أتزعم أنّي لست بإنسان تسألني مثل هذا السؤال؟ ظاهرٌ أنّه ليس للربّ خالق، وقالت اُخرى: كيف يكون الربّ مخلوقا وهكذا. انتهى.
فظهر أنّ العلمَ بوجود المبدأ الأوّل وصانع العالم الذي ليس بمخلوق لغيره بديهيٌّ فطري. والوساوس والأوهام والشبهات الموهم لنظريّته (ظ) وهذه التنبيهات وأمثالها ممّا لا يخفى على اُولي النهى بكشف الغطاء عن هذه المخدّرة لمن له أدنى بصيرة. وكذا ظهر أنّ كلّ ما هو مصنوع ومعلول لغيره هو من العالم ومغاير للصانع بالبديهة.

1.في النسخة: «إليه».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126371
صفحه از 739
پرینت  ارسال به