387
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

نفس الأمر انفكاك الموجود عنه، ولا شبهة في أنّه يمكن أيضا تصوّر انفكاكه عنه، فالتصوّر والمتصوّر كلاهما ممكن، وهذه حال المهيّات الممكنة كما هو المشهور.
وأوسطها الموجود بالذات بوجود هو غيره، أي الذي يقتضي ذاته وجوده اقتضاءً تامّا يستحيل معه انفكاك الوجود عنه، فهذا الموجود له ذات ووجود يغاير ذاته، فيمتنع انفكاك الوجود عنه بالنظر إلى ذاته، لكن يمكن تصوّر هذا الانفكاك، فالمتصوّر محال، والتصوّر ممكن، وهذه حال الواجب الوجود على مذهب جمهور المتكلّمين.
وأعلاها الموجود بالذات بوجود هو عينه، أي الذي وجوده عين ذاته، فهذا الموجود ليس له وجود يغاير ذاته، فلا يمكن تصوّر انفكاك الموجود عنه، بل الانفكاك وتصوّره كلاهما محالان.
ولا يخفى على ذي مُسكة أن لا مرتبة في الموجوديّة أقوى من هذه المرتبة الثالثة التي هي حال الواجب تعالى عند جماعة ذوي بصائر ثاقبة وأنظار صائبة.
وإن أردت مزيد توضيح لما صوّرناه في المراتب الثلاث في الموجوديّة فاستوضح الحال فيما نورد في هذا المثال وهو أنّ مراتب المضيء في كونه مضيئا ثلاث... ۱
الاُولى المضيء بالغير، أي الذي استفاد الضوء من غيره، كوجه الأرض الذي استضاء بمقابلة الشمس، فهنا مضيء وضوء يغايره وشيء ثالث أفاد الضوء.
الثانية المضيء بالذات بضوء هو غيره أي الذي يقتضي ذاته ضوء واقتضاء بحيث يمتنع تخلّفه عنه كجرم الشمس إذا فرض اقتضاؤه لضوئه، فهذه ۲ المضيء له ذات وضوء يغاير ذاته. الثالثة المضيء بالذات بضوء هو عينه، كضوء الشمس مثلاً فإنّه

1.كلمة لا تقرأ.

2.كذا. لعلّ الأولى : «فهذا».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
386

فإن قلت: فما معنى الواجب لذاته؟
قلت: أمّا على رأي جمهور المتكلّمين فمعناه ما يقتضي ذاته وجوده، ولا شكّ في أنّه لا يلزم من بداهة وجود الموجود المستغني عن غيره في الوجود بداهةُ كون ذاته مقتضيا لوجوده؛ لجواز أن يكون موجودا لا يكون ذاته ولا غيره مقتضيا لوجوده، بل لو كان تفسير الواجب بهذا حقّا فبالدليل يثبت أنّ المعنى البديهي الوجود هو فرد لمفهوم هذا المعنى.
وأمّا على مذهب الحكماء والمحقّقين [فـ]هو الوجود المستغني عن الغير، وظاهرٌ أنّ بداهة وجود الموجود المستغني عن غيره في وجوده لا يستلزم بداهة تحقق الوجود المستغني عن الغير؛ لجواز أن يكون ذلك الموجود البديهي الوجود ممكنا مستغنيا عن الغير كما مرّ، ولجواز أن يكون وجوده مستندا إلى ذاته، كما هو مذهب المتكلّمين، فلا يكون وجوده وجودا مستغنيا عن الغير، بل وجود محتاج إلى ذات موصوفه وإن كان ذلك الموجود في وجوده مستغنيا عن غيره. وكونُ ذلك الوجود المستغني عن الغير موجودا مستغنيا عن الغير ـ لأنّ الوجود القائم بنفسه وجود وموجود، فيكون موجودا مستغنيا عن الغير ـ لا يستلزم أن يكون كلّ موجود مستغنٍ عن الغير وجودا مستغنيا عن الغير في بادئ الرأي حتّى يكون الثاني لازما بيّنا للأوّل، ويكون بداهة الأوّل مستلزما لبداهة الثاني، بل إنّما يلزم ذلك بعد انضمام بعض المقدّمات إلى بعض، وإقامة البرهان عليه، فظهر نظريّة وجود الواجب بالذات مع بداهة وجود المبدأ الأوّل، والصانع الغير المصنوع لغيره للعالم.

تحقيق مقام وتبيين مرام

قال بعض المحقّقين:
مراتب الموجودات في الموجوديّة بحسب التقسيم العقلي ثلاث لا مزيد عليها: أدناها الموجود بالغير، أي الذي يوجده غيره، فهذا الموجود له ذات ووجود ۱ يغاير ذاته وموجد يغايرهما، فإذا نُظر إلى ذاته وقُطع النظر عن موجده أمكن في

1.في النسخة: «ذات ووجد».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126353
صفحه از 739
پرینت  ارسال به