فإن قلت: فما معنى الواجب لذاته؟
قلت: أمّا على رأي جمهور المتكلّمين فمعناه ما يقتضي ذاته وجوده، ولا شكّ في أنّه لا يلزم من بداهة وجود الموجود المستغني عن غيره في الوجود بداهةُ كون ذاته مقتضيا لوجوده؛ لجواز أن يكون موجودا لا يكون ذاته ولا غيره مقتضيا لوجوده، بل لو كان تفسير الواجب بهذا حقّا فبالدليل يثبت أنّ المعنى البديهي الوجود هو فرد لمفهوم هذا المعنى.
وأمّا على مذهب الحكماء والمحقّقين [فـ]هو الوجود المستغني عن الغير، وظاهرٌ أنّ بداهة وجود الموجود المستغني عن غيره في وجوده لا يستلزم بداهة تحقق الوجود المستغني عن الغير؛ لجواز أن يكون ذلك الموجود البديهي الوجود ممكنا مستغنيا عن الغير كما مرّ، ولجواز أن يكون وجوده مستندا إلى ذاته، كما هو مذهب المتكلّمين، فلا يكون وجوده وجودا مستغنيا عن الغير، بل وجود محتاج إلى ذات موصوفه وإن كان ذلك الموجود في وجوده مستغنيا عن غيره. وكونُ ذلك الوجود المستغني عن الغير موجودا مستغنيا عن الغير ـ لأنّ الوجود القائم بنفسه وجود وموجود، فيكون موجودا مستغنيا عن الغير ـ لا يستلزم أن يكون كلّ موجود مستغنٍ عن الغير وجودا مستغنيا عن الغير في بادئ الرأي حتّى يكون الثاني لازما بيّنا للأوّل، ويكون بداهة الأوّل مستلزما لبداهة الثاني، بل إنّما يلزم ذلك بعد انضمام بعض المقدّمات إلى بعض، وإقامة البرهان عليه، فظهر نظريّة وجود الواجب بالذات مع بداهة وجود المبدأ الأوّل، والصانع الغير المصنوع لغيره للعالم.
تحقيق مقام وتبيين مرام
قال بعض المحقّقين:
مراتب الموجودات في الموجوديّة بحسب التقسيم العقلي ثلاث لا مزيد عليها: أدناها الموجود بالغير، أي الذي يوجده غيره، فهذا الموجود له ذات ووجود ۱ يغاير ذاته وموجد يغايرهما، فإذا نُظر إلى ذاته وقُطع النظر عن موجده أمكن في