ويوجب اضطرابها وإن كان اندفاع أمثال هذه الشبهة بالنظر إلى بعض آخر في غاية الظهور، حتّى لو بيّن لهم دفعها بتفصيل معنى الكلّ والجزء والأعظميّة لربّما يتوهّمون أنّ هذا برهان قاطع على هذا المطلب النظري، مع أنّ الشبهة لا تؤثّر في قطعهم أصلاً، ولا توجب شكّهم في أصل المطلب رأسا، بل إنّما توجب تشويش أذهانهم واضطرابهم؛ لعدم تمكّنهم من التفصّي عنها، فكذا الحال في نسبة (ظ) هذه المنبّهات إلى وجود الصانع الغير المصنوع ووحدته وكونه صانعا لجميع ما يغايره، فإنّ جميع ذلك معلوم لهم علما فطريا بديهيّا على سبيل الإجمال إلّا أنّ لقصور أذهانهم وعدم تمكّنهم من دفع الشُبَه والأوهام توهّموا أنّ المطلوب نظري وما يقال في بيانه برهان وحجّة، فعبّروا عنه بالدليل والبرهان؛ واللّه المستعان، وعليه التُّكْلانُ.
تبيان
أقول: بعد تمهيد هذه الاُصول قد ظهر لك أنّ وجود المبدأ الأوّل الإله الحقّ الواحد الغير المصنوع لغيره، الصانع لكلّ ما يغايره من الموجودات المحقّقة المعبّر عنه بالعالم فطري بديهي، وعلى هذا فنستدلّ على إثبات الواجب بالذات بالبراهين اللمّيّة الصريحة، وعلى توحيده تعالى في الفصلين:
الفصل الأول في البراهين اللمّيّة على إثبات الواجب بالذات
وهي خمسة، ثلاثة منها ـ وهي الأوّل والثاني والثالث ـ لا يتوقّف على الأصل الثالث، والرابع والخامس يتوقّفان عليه.
البرهان الأوّل: أقول: لا شكّ في وجود صانع العالم الذي هو صانع لجميع ما يغايره من الموجودات المحقّقة بحكم الأصلين الأوّلين، فإن كان واجبا ثبت المطلوب، وإلّا فكان ممكنا، وكلّ ممكن موجود محتاج في وجوده إلى مؤثّر موجود مباين له خارج عنه إمّا