397
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.فلمّا كان من العام القابل التَقَى معه في الحَرَم ، فقال له بعض شيعته : إنَّ ابن أبي العوجاء قد أسْلَمَ ، فقالَ العالِمُ عليه السلام : «هو أعمى من ذلك لا يُسْلِمُ» . فلمّا بَصُرَ بالعالم قال : سيّدي ومولاي ، فقال له العالم عليه السلام : «ما جاء بك إلى هذا الموضع؟» فقال : عادةُ الجَسَدِ ، وسنّةُ البَلَدِ ، ولِنَنْظُرَ ما الناسُ فيه من الجنون والحَلْق ورَمْي الحجارة؟ فقال له العالم عليه السلام : «أنت بعدُ على عُتُوِّكَ وضَلالِك يا عبدالكريم» . فذهب يتكلّم ، فقال له عليه السلام : «لا جدال في الحجّ» ونَفَضَ رداءه من يده وقال : «إن يكن الأمرُ كما تَقولُ وليس كما تَقولُ ، نجونا ونجوتَ ، وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول ، نجونا وهلكتَ» . فأقبل عبدالكريم على مَن معه ، فقال : وجدت في قلبي حزازةً فرُدُّوني ، فَرَدُّوه ، فماتَ لارَحِمَهُ اللّهُ .

۳.حدَّثني محمّد بن جعفر الأسديّ ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ الرازيّ ، عن الحسين بن الحسن بن بُرْدٍ الدينوري ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن عبداللّه الخراسانيّ خادمِ الرضا عليه السلام قال : دَخَلَ رجلٌ من الزنادقة على أبي الحسن عليه السلام وعندَه جَماعةٌ . فقال أبو الحسن عليه السلام :«أيّها الرجلُ ، أرأيتَ إن كانَ القولُ قولَكم ، وليس هو كما تقولونَ ، ألَسْنا

قوله: (عن محمّد بن إسماعيل البرمكي الرازي)
«البرمكي» ـ بفتح الباء وسكون الراء المهملة وفتح الميم ـ نسبة إلى جدّ يحيى بن خالد وهم البرامكة. و«الرازي» نسبة إلى الريّ بغير قياس. و«بُرد» بضمّ الباء الموحّدة وسكون الراء المهملة ثمّ دال المهملة. و«الدِينوري» ـ بكسر الدال المهملة وسكون الياء المثنّاة تحت وفتح النون والواو ثمّ راء مهملة ـ نسبة إلى بلد قرب همدان.
وقوله عليه السلام : (أيّها الرجل أرأيت) بهمزة الاستفهام وفتح الضمير للمخاطب، أي أخبرني.
وقوله عليه السلام : (إن كان القول قولكم) أي إن كان قول الحقّ قولكم وهو أن ليس للعالم صانع ۱ .
وزيادة كاف التشبيه في قوله عليه السلام : (وليس هو كما تقولون) للدلالة على أنّ قولهم بعيد عن الحقّ.

1.في النسخة: «صانعا».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
396

۰.فقال له عبدالكريم : سألتني عن مسألة لم يَسْألْنِي عنها أحَدٌ قبلَك ، ولا يَسْألُنِي أحدٌ بعدَك عن مثلِها ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «هَبْكَ عَلِمتَ أنّك لم تُسألْ فيما مضى ، فما عَلَّمَكَ أنّك لا تُسألُ فيما بعدُ ، على أنّك يا عبدالكريم نَقَضْتَ قولَك ؛ لأنّك تَزعُمُ أنَّ الأشياءَ من الأوَّل سواء ، فكيف قدّمْتَ وأخّرتَ؟!» . ثمَّ قال : «يا عبدالكريم ، أزيدُك وضوحا : أرأيتَ لو كان معك كِيسٌ فيه جواهرُ ، فقال لك قائلٌ : هل في الكيس دينارٌ؟ فَنَفَيْتَ كونَ الدينار في الكيس ، فقالَ لك صِفْ لي الدينار وكنتَ غير عالم بصفته ، هل كانَ لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم؟» قال : لا ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فالعالَمُ أكبرُ وأطولُ وأعرضُ من الكيس ، فلعلَّ في العالم صَنعةً من حيثُ لا تَعلَمُ صِفَةَ الصنعةِ من غير الصنعة». فَانْقَطَعَ عبدُالكريم، وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه، وبقي معه بعض.
فعادَ في اليوم الثالث ، فقال : أقْلِبُ السؤالَ ، فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «سَلْ عمّا شئتَ» . فقال : ما الدليلُ على حَدَثِ الأجسام؟ فقال : «إنّي ما وَجَدْتُ شيئا صغيرا ولا كبيرا إلّا وإذا ضُمَّ إليه مِثلُه صارَ أكبَرَ ، وفي ذلك زوالٌ وانتقالٌ عن الحالة الاُولى ، ولو كانَ قديما ما زالَ ولا حالَ ؛ لأنَّ الذي يَزولُ ويَحولُ يَجوزُ أن يوجَدَ ويُبْطَلَ فيكونُ بوجوده بعد عدمِه دخول في الحَدَث ، وفي كونه في الأزل دخولُه في العدم ، ولن تجتمعَ صفةُ الأزلِ والعدم والحدوث والقدم في شيءواحد» .
فقال عبدالكريم : هَبْكَ علمتَ في جَرْي الحالتينِ والزمانينِ على ما ذكرتَ واستدللتَ بذلك على حدوثها ، فلو بَقِيَتِ الأشياءُ على صِغَرها من أين كان لك أن تَستدلَّ على حدوثهنَّ؟ فقال العالم عليه السلام : «إنّما نتكلّم على هذا العالَم الموضوعِ ، فلو رفعناه ووضعنا عالَما آخَرَ كانَ لا شيءَ أدَلَّ على الحدث من رَفْعِنا إيّاه ووَضعنا غيرَه ، ولكن اُجيبُك من حيث قَدَّرْتَ أن تُلْزِمَنا ، فنقول : إنَّ الأشياءَ لو دامَتْ على صِغَرِها لكانَ في الوهم أنّه متى ضُمَّ شيءٌ إلى مثله كانَ أكبر ، وفي جواز التغيير عليه خروجُه من القِدَم ، كما أنّ في تغييره دخولَه في الحَدَث ليس لك وراءَه شيءٌ يا عبدالكريم» فانقطع وخزي .
.........

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144787
صفحه از 739
پرینت  ارسال به