399
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.فقال : «ويلك ، إنّ الذى ذَهَبْتَ إليه غلطٌ ، هو أيَّنَ الأينَ بلا أينٍ ، وكَيَّفَ الكيفَ بلا كيف ،

هو العلم بكيفيّته وإنّيّته. وغرضه من ذلك السؤال التوسّل بجوابه إلى نفي الصانع بزعمه؛ لأنّه إن نفى عنه الكيف والمكان ـ كما هو معتقد أهل الحقّ ـ فيتمسّك به في نفيه وعدمه؛ لأنّ الموجود عندهم إنّما هو المحسوس، وما لا يناله الحسّ بجوهره ففرض وجوده فرض محال، والمحسوس لا يخلو عن الكيف والمكان، فكلّ ما ليس له كيف ومكان معدوم على زعمهم، فيلزم من نفي الكيف والمكان عنه نفيه على زعمه؛ ولذا لمّا نفى عليه السلام عنه تعالى الكيف والأين، قال الزنديق (فإذا أنّه لا شيء إذا لم يُدْرَكْ بحاسّةٍ من الحواسّ) ولو قيل بثبوت الكيف والمكان له يتمسّك بنفي احتياجه في الوجود إلى الغير مع كونه كسائر الأجسام متكيّفا متمكّنا في استغناء الأجسام عن المبدأ، فحينئذٍ لا حاجة إلى وجود الصانع بزعمه.
وقوله عليه السلام : (ويلك إنّ الذي ذَهبتَ إليه غلطٌ) أي ألزمك اللّه ويلاً وعقابا، إنّ الذي ذهبت إليه ـ من أنّ كلّاً ۱ من نفي الكيف والأين عنه، وإثباتهما له يوجب نفيه وعدمه ـ غلط، بل إنّا نختار ما هو الحقّ من نفيهما عنه؛ لأنّه (أيَّنَ الأَيْنَ، وكَيَّفَ الكَيْفَ بلا كيف) أي أوجد حقيقة الأين، بمعنى أنّه جعل حقيقته وفعلها، وأوجد حقيقة الكيف؛ يعني فعل حقيقته وجعلها بلا مدخليّة الكيف في جعله وإيجاده بأن يكون الكيف معتبرا في جانب علّته؛ يعني يكون ذاته المتّصفة بالكيف علّة لإيجاد الكيف، وإلّا يلزم أن يكون الكيف علّة لنفسه إذا كان الكيف إلّا هو بعينه ما يعتبر في جانب علّته، وهو محال؛ لاستحالة تقدّم الشيء، أو توقّفه على نفسه، أو يلزم التسلسل إذا كان إيجاد كلّ كيف لاحق مسبوقا بكيف سابق لا إلى النهاية، وهو أيضا محال كما مرّ بيانه، أو يلزم انتهاء سلسلة إيجاد الكيف إلى كيف غير مسبوق بكيف آخر، وهو المطلوب؛ لأنّه يصدق عليه تعالى حينئذٍ أنّه أوجد الكيف بلا كيف؛ يعني حين كونه مجرّدا عن الكيف، وفي مرتبة تجرّده عنه. وكذا الحال في الأين، فـ «بلا أين» ۲ مقدّر في

1.في النسخة: «كلّ».

2.في الكافي المطبوع: «موجود».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
398

۰.وإيّاكم شَرَعا سَواءً ، لا يَضُرُّنا ما صَلَّينا وصُمْنا وزَكَّيْنا وأقْرَرْنا؟» . فسَكَتَ الرجلُ ، ثمّ قال أبو الحسن عليه السلام : «وإن كانَ القولُ قولَنا ، وهو قولُنا ، ألَستُم قد هَلَكْتُمْ ونَجَوْنا؟» . فقال : رَحِمَكَ اللّهُ ، أوجِدْني كيف هو ؟ وأين هو؟ .........

والواو في قوله عليه السلام : (وإيّاكم) بمعنى «مع». و(شَرَعا) بفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة ويجوز سكونها أيضا، يقال: هم في هذا الأمر شَرَع، أي متساوون لا فضل لأحدهم على الآخر، وهو مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع، والمذكّر والمؤنّث. و(سَواء) بفتح السين المهملة والمدّ، يقال: هما في هذا الأمر سواء وإن شئت سواءان، وهم سواء للجمع وهم أسواء، أي متساوون.
و«ما» في قوله عليه السلام : (لا يَضُرُّنا ما صلّينا وصُمْنا وزكّينا) مصدريّة، يقال: زكّى ماله تزكية، أي أدّى عنه زكاته.
وقوله عليه السلام : (وأقررنا) أي بوجود الصانع للعالم، وبما ترتّب على وجوده من سائر الاُصول والفروع الدينيّة، وذلك لأنّ الحياة منقطعة فبعد زوالها لا يبقى أثر. وفرق بين من فعل هذه الأشياء واعتقد، وبين من لم يفعل ولم يعتقد على رأي الزنادقة.
وقوله: (فسكت الرجل) أي للتأمّل فيما قاله عليه السلام .
وقوله: (ثمّ قال عليه السلام ) أي بعد مهلة لتأمّله (وإن كان القول) أي قول الحقّ (قولَنا) وهو أنّ صانع العالم موجود، وترتّب على وجوده ما ترتّب من إرسال الرسل وإنزال الكتب والشرائع، ومنكريه مخلّدون في النار.
وقوله: (وهو قولنا) أي قول الحقّ قولنا. لم يزد كاف التشبيه هنا وقد زاد في السابق للدلالة على أنّ قولنا هو الحقّ بعينه ليس إلّا.
وقول الزنديق: (يرحمك اللّه ) بناء على عادة أهل الزمان وقد يصدر عن الجاحد للّه تعالى أيضا، أو دعاء للمخاطب على وفق معتقده وميله.
وقوله: (أوجِدْني كيف هو؟ وأين هو؟) قال في الصحاح: «أوجَده اللّهُ مطلوبَه، أي أظفره [به] ۱ ». يعني بيّن لي كيفيّة ذلك الصانع الذي تقولون به ومكانه، وأظفرني بمطلبي الذي

1.الصحاح، ج ۲، ص ۵۴۷ (وجد).

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144742
صفحه از 739
پرینت  ارسال به