401
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

وهو تعالى ليس بجسم ولا جسماني، كما سيجيء بيانه إن شاء اللّه تعالى.

[الاستدلال على نفي التحيّز والتمكّن عنه تعالى]

واستدلّوا على نفي الحيّز والتمكّن عنه تعالى بوجوه:
الأوّل: ما أقول في تقريره من أنّه لو كان الواجب متمكّنا، لزم إمكان الواجب ووجوب الممكن؛ لأنّه لو كان في مكان، لكان المكان من لوازم وجوده، وكان الواجب في تمكّنه محتاجا إلى المكان بالضرورة، ولا شكّ في أنّ التمكّن؛ يعني كون المتمكّن في المكان، وحصوله فيه من الصفات الحقيقيّة الكماليّة للمتمكّن من حيث إنّه متمكّن، ويمتنع وجوده بدونه، فيلزم احتياجه في الصفة الحقيقيّة الكماليّة اللازمة لوجوده إلى الغير، وما يحتاج في شيء من الصفات الحقيقيّة الكماليّة إلى الغير لا يصلح أن يكون واجبا؛ لما ثبت في موضعه من أنّ الواجب بالذات ذاته كافٍ فيما له من الصفات الحقيقيّة، ومن أنّه كامل الذات بذاته لا يحتاج في وجوده ولا في شيء من كمالاته إلى غيره، بل بديهة العقل يحكم على أنّ كلّ ما لا يفتقر في الوجود الذي هو منبع الكمالات إلى الغير لا يفتقر في الكمالات التابعة له أيضا إلى الغير كما صرّح به بعض المحقّقين، فإذا لم يكن واجبا لكان ممكنا؛ لانحصار الموجود فيهما، فيلزم إمكان الواجب وهو محال، ولكان المكان مستغنيا عنه؛ لأنّ المكان قد يوجد بدون متمكّن خاصّ، كمكان زيد مثلاً؛ فإنّه قد ينتقل عنه زيد، ويحصل فيه عمرو.
وبالجملة، لا شكّ في إمكان خلوّ كلّ مكان بالنظر إلى طبعه وذاته عن المتمكّن الخاصّ، واستحالة الخلأ إنّما يقتضي امتناع خلوّه عن مطلق المتمكّن لا عن خصوص ذلك المتمكّن مثلاً، والمستغني عن الواجب يكون واجبا بالضرورة؛ لأنّه لو كان ممكنا لزم تحقّق ممكن بلا سبب وهو محال، وحينئذٍ يلزم تعدّد الواجب أحدهما المتمكّن والآخر المكان وهو محال.
هذا غاية تقرير هذا الدليل بحيث لا ينتهي على إمكان الخلأ كما قرّره بعضهم، وبحيث يندفع عنه ما اُورد على بيان المحذور الأوّل من أنّ اللازم من تحيّز الواجب هو الاحتياج


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
400

۰.فلا يُعْرَفُ بالكيفوفيّةِ ولا بأينونيةٍ ، .........

كلامه عليه السلام ، اكتفى بذكر أحد النظيرين عن الآخر. هذا إذا كان «أَيَّنَ» و«كَيَّفَ» فعلاً ماضيا. ۱
ويحتمل أن يكون «أيِّنُ» بكسر الياء المشدّدة المثنّاة تحت وضمّ النون، وكذا الحال في «كيِّفٌ» وحينئذٍ معناه أنّه موجدُ الأين وجاعلُ حقيقته بلا أين، أي بلا مدخليّة الأين في إيجاده له، وفاعلُ الكيف وموجد حقيقته بلا كيف، أي بلا مدخليّة الكيف في إيجاده له.
(فلا يُعْرَفُ بالكيفوفيّة ولا بأينونيّة) أي لا يعرف الاتّصاف بالكيف وكونه ذا كيف عند إيجاده الكيف، ولا بالاتّصاف بالأين وكونه ذا أين ومكان عند إيجاده الأين، فظهر أنّه تعالى في مرتبة إيجاده لهما مجرّد عنهما، فهو في ذاته لا يحتاج إليهما. ومن هذا يعلم أنّه ۲ بعد إيجادهما أيضا لا يتّصف بهما؛ لأنّ خالق الشيء وموجده متعالٍ عن الاتّصاف به، وإلّا يلزم أن يكون الشيء الواحد قابلاً وفاعلاً لشيء واحد وهو باطل كما بيّن في موضعه، ولأنّ اتّصافهما به لا يخلو إمّا أن يكون كمالاً له أو نقصا، لا سبيل إلى الثاني؛ لاستحالة اتّصاف الواجب بالذات بالنقص، ولأنّ الناقص لا يصلح للاُلوهيّة وصانعيّة العالم، ولا سبيل إلى الأوّل؛ لأنّا نعلم بالضرورة أنّ الاحتياج إلى الكيف والمكان نقص، ولأنّه لو كان الاتّصاف بهما كمالاً، يلزم أن يكون ناقصا في مرتبة إيجاده لهما؛ لخلوّه عن الاتّصاف بهما في تلك المرتبة وهو محال، وأيضا يلزم استكماله بمخلوقه من الكيف والأين، فلا يكون كاملاً بالذات بل مستكملاً بغيره، والواجب بالذات لا يكون كذلك، وما هو كذلك لا يصلح أن يكون إلها حقّا خالقا للعالم.
ولا يذهب عليك أنّ هذين الدليلين يدلّان على عدم اتّصافه تعالى بالصفات الحقيقيّة الزائدة على ذاته مطلقا؛ فتدبّر.
ولأنّ الأين لا يكون إلّا لمتقدّر، ولا يجوز عليه تعالى التقدّر بالمقدار كما سنبيّنه، ولأنّ المكان والحيّز ـ وهو الوضع وقبول الإشارة الحسّية ـ من خواصّ الأجسام والجسمانيّات،

1.في النسخة: «فعل ماضى».

2.في النسخة: «أنّ».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126270
صفحه از 739
پرینت  ارسال به