۰.ولا يُدرَكُ بحاسَّةٍ ، ولا يُقاسُ بشيءٍ» .
فقال الرجل : فإذا إنّه لا شيءَ إذا لم يُدْرَكْ بحاسّةٍ من الحواسّ؟ فقالَ أبو الحسن عليه السلام : «ويلك ، لمّا عَجَزَتْ حواسُّك عن إدراكه أنكرتَ ربوبيَّتَه ونحن إذا عَجَزَتْ حواسُّنا عن إدراكه أيْقَنّا أنّه ربُّنا ، بخلاف شيءٍ من الأشياء» .
وقوله عليه السلام : (ولا يدرك بحاسّة) إذ لا كيفيّة له ولا إحساس إلّا بإدراك الكيفيّة (ولا يقاس بشيء) أي لا في ذاته ولا في حقيقة صفاته الكماليّة الحقيقيّة، بل إنّما هو في ذاته وفي حقيقة صفاته الحقيقيّة التي هي عين ذاته مباين بالحقيقة لجميع ما عداه، ممتنعٌ تصوّره، فلا يمكن قياسه بشيء.
وقال بعض الأعلام: أي لا يعرف قدره بمقياس؛ إذ لا أين له ولا مقدار ۱ .
وقوله: (فإذاً إنّه لا شيء إذا لم يُدْرَكْ بحاسّةٍ من الحواسّ) يعني أردت بيان شأن ربّك، ونفيت عنه الكيف والأين والإحساس، وذلك يوجب نفيه؛ لأنّ الموجود منحصر في المحسوس، وما لا يمكن إحساسه لا يكون موجودا. فـ «إذا» للمفاجأة. و«إنّه» بكسر الهمزة. و«لا شيء» مرفوع خبرا، لأنّهما جعلا كاسم واحد.
وقوله: (إذا لم يُدْرَكْ بحاسّة) من الحواسّ كان لا شيئا، فهذا استدلال منه على نفي الصانع.
وقوله عليه السلام : (لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه) إلخ، أي جعلتَ تعاليه عن أن يدرك بالحواسّ وعجزَها عن إدراكه دليلاً على عدمه، فأنكرت ربوبيّته، ونحن إذا عرفناه بتعاليه عن أن يدرك بالحواسّ، وعلمنا عجز حواسّنا عن إدراكه، أيقنّا أنّه ربّنا، بخلاف شيء من الأشياء المحسوسة؛ يعني ليس شيء من الأشياء المحسوسة ربّنا، وذلك لوجهين:
أحدهما: أنّ الربّ هو المبدأ الأوّل، والمبدأ الأوّل لا يمكن أن يكون محسوسا؛ لأنّ كلّ محسوس ذو وضع، أي قابل للإشارة الحسّيّة بالضرورة، وكلّ ذي ۲ وضع إمّا ۳ موجود