403
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.ولا يُدرَكُ بحاسَّةٍ ، ولا يُقاسُ بشيءٍ» .
فقال الرجل : فإذا إنّه لا شيءَ إذا لم يُدْرَكْ بحاسّةٍ من الحواسّ؟ فقالَ أبو الحسن عليه السلام : «ويلك ، لمّا عَجَزَتْ حواسُّك عن إدراكه أنكرتَ ربوبيَّتَه ونحن إذا عَجَزَتْ حواسُّنا عن إدراكه أيْقَنّا أنّه ربُّنا ، بخلاف شيءٍ من الأشياء» .

وقوله عليه السلام : (ولا يدرك بحاسّة) إذ لا كيفيّة له ولا إحساس إلّا بإدراك الكيفيّة (ولا يقاس بشيء) أي لا في ذاته ولا في حقيقة صفاته الكماليّة الحقيقيّة، بل إنّما هو في ذاته وفي حقيقة صفاته الحقيقيّة التي هي عين ذاته مباين بالحقيقة لجميع ما عداه، ممتنعٌ تصوّره، فلا يمكن قياسه بشيء.
وقال بعض الأعلام: أي لا يعرف قدره بمقياس؛ إذ لا أين له ولا مقدار ۱ .
وقوله: (فإذاً إنّه لا شيء إذا لم يُدْرَكْ بحاسّةٍ من الحواسّ) يعني أردت بيان شأن ربّك، ونفيت عنه الكيف والأين والإحساس، وذلك يوجب نفيه؛ لأنّ الموجود منحصر في المحسوس، وما لا يمكن إحساسه لا يكون موجودا. فـ «إذا» للمفاجأة. و«إنّه» بكسر الهمزة. و«لا شيء» مرفوع خبرا، لأنّهما جعلا كاسم واحد.
وقوله: (إذا لم يُدْرَكْ بحاسّة) من الحواسّ كان لا شيئا، فهذا استدلال منه على نفي الصانع.
وقوله عليه السلام : (لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه) إلخ، أي جعلتَ تعاليه عن أن يدرك بالحواسّ وعجزَها عن إدراكه دليلاً على عدمه، فأنكرت ربوبيّته، ونحن إذا عرفناه بتعاليه عن أن يدرك بالحواسّ، وعلمنا عجز حواسّنا عن إدراكه، أيقنّا أنّه ربّنا، بخلاف شيء من الأشياء المحسوسة؛ يعني ليس شيء من الأشياء المحسوسة ربّنا، وذلك لوجهين:
أحدهما: أنّ الربّ هو المبدأ الأوّل، والمبدأ الأوّل لا يمكن أن يكون محسوسا؛ لأنّ كلّ محسوس ذو وضع، أي قابل للإشارة الحسّيّة بالضرورة، وكلّ ذي ۲ وضع إمّا ۳ موجود

1.الحاشية على اُصول الكافي للنائيني، ص ۲۵۵.

2.في النسخة: «ذو».

3.لم يذكر عِدْل «إمّا».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
402

إلى الغير في التمكّن لا في الوجود، والممكن هو المحتاج إلى الغير في الوجود لا في أمر آخر غيره، فلا يلزم إمكان الواجب؛ لأنّه قد ثبت أنّ الواجب بالذات لا يحتاج في شيء من صفاته الحقيقيّة إلى الغير، كما لا يحتاج في وجوده إليه، فذلك الاحتياج أيضا يستلزم إمكانه كما مرّ بيانه.
لكن يرد على بيان المحذور الثاني أنّه لا يلزم من استغناء مكان الواجب عن حصوله تعالى فيه استغناؤه في وجوده عنه تعالى، فيجوز احتياج مكانه في وجوده إليه مع استغنائه عن خصوص حصوله فيه، فلا يلزم تعدّد الواجب.
ولا يذهب عليك أنّ هذا الإيراد لا يضرّ المدّعى؛ لأنّه ثابت بمجرّد لزوم المحذور الأوّل من غير احتياج إلى الثاني؛ فتدبّر.
الثاني: أنّه لو كان الواجب متحيّزا، لزم قدم المكان؛ ضرورة امتناع المتمكّن بدون المكان، واللازم باطل؛ لما ثبت من حدوث العالم.
الثالث: أنّه لو كان الواجب في حيّز وجهة، فإمّا أن يكون في جميع الأحياز والجهات، فيلزم تداخل المتحيّزات ومخالطة الواجب ما لا ينبغي، وإمّا أن يكون في البعض دون البعض، فإن كان المخصّص موجودا ۱ في بعض الأمكنة دون بعض؛ لأنّ إرادة بعضها دون بعض لا يتصوّر إلّا بوجود مرجّح في بعض دون الآخر، فيلزم احتياجه في تمكّنه الذي هو من صفاته الحقيقيّة إلى الغير، والواجب بالذات لا يكون كذلك، وإن لم يكن بمخصّص، لزم الترجّح بلا مرجّح وهو محال بالضرورة.
الرابع: أنّه لو كان متحيّزا، لكان متحيّزا بالذات؛ لأنّه لو كان متحيّزا بالتبع فيكون عرضا، والواجب يستحيل أن يكون عرضا، والمتحيّز بالذات هو الجوهر، فحينئذٍ إمّا أن لا يقبل القسمة أصلاً ويكون جزءً لا يتجزّى وهو محال، وعلى تقدير وجوده فهو أحقر الأشياء تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، أو يقبل القسمة وحينئذٍ يكون جسما، وكلّ جسم حادثٌ؛ لما ثبت عندهم من حدوث الأجسام، ومركّبٌ أيضا، فيلزم حدوث الواجب وتركيبه، وكلّ ذلك محال.

1.في النسخة: «موجود».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144763
صفحه از 739
پرینت  ارسال به