اعلم أنّ الأجزاء العقليّة للشيء ليست أجزاء له حال حصوله في الذهن ـ كما حسبه المُورِد ـ حتّى يكون ما يحصل من الإنسان في الذهن حيوانا ناطقا هناك؛ فإنّ هناك كيفيّة نفسانيّة ـ على ما ذهب إليه المحقّقون ـ وليس حيوانا هناك ولا ناطقا، بل الأجزاء العقليّة أجزاء يقسّم العقل الشيء إليها، مثلاً يقسّم الإنسان حيث يكون إنسانا وهو [في] ۱ الخارج إلى الحيوان الناطق فهو في الخارج حيوان ناطق لكنّهما ليسا جزءين يحصل الإنسان من تركيبهما، بل جزءين يقسّم العقل الإنسان إليهما بضرب من التقسيم، فذات الجزءين حاصل قبل التقسيم لكنّهما حينئذٍ أمر واحد هو ذلك الشيء، وذات كلّ واحد منهما بعض من أمر واحد، لا أمرٌ واحد على حدة، وحصوله بعض من حصول ذلك الأمر، وبعد تقسيم العقل إيّاه يتّصف ذوات الأجزاء بصفة الجزئيّة، ويتكثّر ذلك الواحد ضربا من التكثّر.
ثمّ اعلم أنّ تقدّم العلّة على المعلول ليس بحسب وجودهما في نفس الأمر، فإنّهما هناك يوجدان معا، وإلّا لزم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة، هذا خلف، بل بحسب مقايسة العقل؛ فإنّ العقل إذا قاس العلّة ومعلولها إلى الوجود، يجد العلّة أقرب منه والمعلول أبعد، ويعبّر عن هذا القرب والبعد بأنّه وجد العلّة فوجد المعلول، وهذا الحكم شامل للأجزاء التحليليّة أيضا؛ فإنّ العقل إذا قاس الشيء وذات جزئه التحليلي إلى الوجود، يجزم بأنّه ما لم يوجد ذات الجزء لم يوجد الشيء، مثلاً يحكم بأنّه وجد ذات نصف الفلك، فوجد الفلك وإن كان وجود النصف في ضمن وجود الفلك، وليس أمرا وراءه [في نفس الأمر] ۲ ؛ لأنّ هذا التقدّم ليس بحسب نفس الأمر حتّى يقتضي أمرين متغايرين فيها، فيجوز ۳ أن يكون في نفس