443
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

مجرّدة، أو منتهية إلى الاُمور المجرّدة. أمّا أوّلاً فلما مرّ من الوجوه الوجيهة الدالّة على أنّ كلّ جسماني ممكن، فلو لم تنته تلك العلل إلى الاُمور المجرّدة، يلزم التسلسل وهو محال. وأمّا ثانيا فلأنّ تلك الأجسام كلّها سرمديّة، فلو كانت عللها قوّة جسمانيّة، يلزم أن يصدر عن الجسماني أثر في زمان غير متناهٍ وهو محال على ما بيّن في موضعه.
فإن قيل: الدليل الدالّ على أنّ القوّة الجسمانيّة لا يصدر عنها ۱ أثر في زمان غير متناهٍ إنّما يتمّ إذا كان التأثير زمانيا، وأمّا إذا لم يكن كذلك، فلا فائدة ولا أثر لمضيّ المدّة وامتداد الزمان، بل كلّ من تأثير الكلّ والجزء المفروضين في الدليل المذكور ليس في زمان، وإذا لم يكن شيء من تأثيرهما زمانيا لم يلزم نقصان في تأثير الجزء، بل الزمان ظرف والتأثير ليس بحسبه، فيحتمل أن يكون الزمان الغير المتناهي ظرفا للتأثيرين، كما أنّ زمان واحد يكون ظرفا لتأثيرات مختلفة من مؤثّرات مختلفة، بل ظرفيّة الزمان فيما نحن فيه أيضا ممنوعة؛ لأنّ الزمان ليس ظرفا لجسم أصلاً.
قلت: يكفي في اتّصاف التأثير بالنقصان وعدمه والقلّة والكثرة كون التأثير مع الزمان في الوجود مستمرّا مع استمراره، ولا يلزم أن يكون التأثير بحسب الزمان بل ولا كون الزمان ظرفا له أيضا؛ فإنّ الحقّ أنّ ما هو غير زماني يتّصف أيضا بالدوام وعدم الدوام والتناهي وعدمه. قال المحقّق الشهرزوري في كتابه المسمّى بالشجرة الإلهيّة:
نسبة الاُمور الثابتة إلى المتغيّرات التي هي الزمان هو الدهر، ونسبة الاُمور الثابتة إلى الثابتة هو السرمد، والسرمد في اُفق الدهر، والدهر في اُفق الزمان الذي هو معلول ۲ الدهر الذي هو معلول ۳ السرمد؛ لأنّه لولا دوام نسبة المجرّدات بعضها إلى بعض، وإلى مبدئها ما تصوّر وجود الأجسام ولا حركاتها، وكذلك لولا دوام نسبة الزمان إلى مبدئه ما أمكن وجود الزمان، فالسرمد علّة للدهر، والدهر علّة

1.في النسخة: «عنه».

2.في المصدر: «كمعلول».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
442

السابق منها علّة للّاحق، وهو محال على ما حقّق في موضعه.
وثانيتها ۱ : أن لا يكون تلك الاُمور متباينة في الوجود، بل تكون ۲ مع تعاقبها متّصلة، فيكون أمرا غير قارٍ وهو الحركة التي قيل في شأنها: لولا الحركة ما يصحّ صدور الحادث عن القديم. وتلك الحركة غير متناهية بالضرورة، وهي ممكنة؛ لامتناع أن يكون الأمر الغير القارّ، واجبا بالذات، فلها علّة، وعلّتها لا تكون ۳ قوّة جسميّة؛ لامتناع صدور الأمر الغير المتناهي عن القوّة الجسميّة على ما بيّن ذلك في الحكمة، فعلّتها أمر مجرّد، فهو إمّا واجب بالذات، أو منتهٍ إليه وهو المطلوب.
ثمّ نزيد ونقول على طريقة الحكماء: إنّا نجد ونشاهد حوادث مختلفة متفنّنة (ظ) غير متشابهة، والأمر التدريجي ـ الذي هو واسطة صدور الحادث عن القديم ـ واحد بسيط متشابه، فلا يصدر عن ذلك الأمر وحده تلك الاُمور المختلفة الغير المتشابهة، فلا بدّ من اُمور مختلفة كثيرة قديمة، بل حركات مختلفة قديمة سرمديّة بتلك الحركات المختلفة يحصل أوضاع مختلفة بين أجسام مختلفة ليصوّر حدوث حوادث مختلفة غير متشابهة.
وبالجملة، ثبت ولزم وجود أربعة أصناف مختلفة:
الأوّل: حركات مختلفة قديمة.
الثاني: أجسام مختلفة قديمة بأوضاعها المختلفة يحدث الحوادث المختلفة.
الثالث: علل تلك الأجسام المختلفة السرمديّة لكونها اُمورا ممكنة.
الرابع: علل تلك الحركات المختلفة السرمديّة لكونها أيضا ممكنة، وعلل تلك الحركات المختلفة لا بدّ أن تكون ۴ اُمورا مجرّدة؛ لما مرّ ۵ من أنّ القوّة الجسمانيّة لا يصدر عنها أمر غير متناهٍ مدّة وعدّة، وكذا علل تلك الأجسام المختلفة السرمديّة أيضا اُمور مختلفة

1.في النسخة: «ثانيهما».

2.في النسخة: «يكون».

3.في النسخة: «لا يكون».

4.مرّ في السطور السابقة.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142874
صفحه از 739
پرینت  ارسال به