مجرّدة، أو منتهية إلى الاُمور المجرّدة. أمّا أوّلاً فلما مرّ من الوجوه الوجيهة الدالّة على أنّ كلّ جسماني ممكن، فلو لم تنته تلك العلل إلى الاُمور المجرّدة، يلزم التسلسل وهو محال. وأمّا ثانيا فلأنّ تلك الأجسام كلّها سرمديّة، فلو كانت عللها قوّة جسمانيّة، يلزم أن يصدر عن الجسماني أثر في زمان غير متناهٍ وهو محال على ما بيّن في موضعه.
فإن قيل: الدليل الدالّ على أنّ القوّة الجسمانيّة لا يصدر عنها ۱ أثر في زمان غير متناهٍ إنّما يتمّ إذا كان التأثير زمانيا، وأمّا إذا لم يكن كذلك، فلا فائدة ولا أثر لمضيّ المدّة وامتداد الزمان، بل كلّ من تأثير الكلّ والجزء المفروضين في الدليل المذكور ليس في زمان، وإذا لم يكن شيء من تأثيرهما زمانيا لم يلزم نقصان في تأثير الجزء، بل الزمان ظرف والتأثير ليس بحسبه، فيحتمل أن يكون الزمان الغير المتناهي ظرفا للتأثيرين، كما أنّ زمان واحد يكون ظرفا لتأثيرات مختلفة من مؤثّرات مختلفة، بل ظرفيّة الزمان فيما نحن فيه أيضا ممنوعة؛ لأنّ الزمان ليس ظرفا لجسم أصلاً.
قلت: يكفي في اتّصاف التأثير بالنقصان وعدمه والقلّة والكثرة كون التأثير مع الزمان في الوجود مستمرّا مع استمراره، ولا يلزم أن يكون التأثير بحسب الزمان بل ولا كون الزمان ظرفا له أيضا؛ فإنّ الحقّ أنّ ما هو غير زماني يتّصف أيضا بالدوام وعدم الدوام والتناهي وعدمه. قال المحقّق الشهرزوري في كتابه المسمّى بالشجرة الإلهيّة:
نسبة الاُمور الثابتة إلى المتغيّرات التي هي الزمان هو الدهر، ونسبة الاُمور الثابتة إلى الثابتة هو السرمد، والسرمد في اُفق الدهر، والدهر في اُفق الزمان الذي هو معلول ۲ الدهر الذي هو معلول ۳ السرمد؛ لأنّه لولا دوام نسبة المجرّدات بعضها إلى بعض، وإلى مبدئها ما تصوّر وجود الأجسام ولا حركاتها، وكذلك لولا دوام نسبة الزمان إلى مبدئه ما أمكن وجود الزمان، فالسرمد علّة للدهر، والدهر علّة