447
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

وأمّا ثانيا فلأنّ الكلام ليس في مصالح الأفعال ۱ الصادرة عن تلك الأجزاء حتّى يمكن أن يقال: مراعي تلك المصالح إنّما هو طبائعها، بل الكلام في وجودها ووقوعها بالأنحاء الخاصّة ، والوجوه المخصوصة التي من جملتها كونها ذا طبائع خاصّة مخصوصة.
والحاصل أنّ وقوعها بهذه الطبائع المخصوصة مثلاً بحيث يترتّب عليها ۲ تلك الحِكَم والمصالح يدلّ على أنّ وجودها بهذه الوجوه المخصوصة ـ التي من جملتها كونها ذا طبائع خاصّة ـ معلّلة بتلك الحِكَم والمصالح، فلا بدّ لها بالضرورة من فاعل مراعٍ لتلك الحِكَم غير طبائعها وهو ظاهر، وغير طبيعة الكلّ بما هو كلّ أيضا، كيف لا، وطبيعة الكلّ بما هو كلّ إمّا متأخّرة عن وجود الأجزاء بهذه الوجوه المخصوصة، أو هي معها، وعلى كلا التقديرين لا يمكن أن تكون مراعيا ۳ لمصالح وجود الأجزاء أصلاً على ما لا يخفى على اُولي النهى؛ فافهم ۴ .
فإن قلت: إنّ طبيعة الكلّ متأخّرة عن وجود موادّ الأجزاء، أو معها لكن لا نسلّم أنّها متأخّرة عن طبيعة الأجزاء، أو معها في الوجود، لِمَ لا يجوز أن يكون مصدر طبيعة الأجزاء طبيعة الكلّ بما هو كلّ، فيكون مراعيا لتلك الحِكَم والمصالح التي اشتملت عليها الأجزاء لصدور الطبائع ۵ الجزئيّة التي يترتّب عليها تلك الحِكَم والمصالح في الحقيقة منها، فإنّ الطبيعة الكلّيّة في عرفهم قوّة سارية في الأجسام الطبيعيّة السِفْليّة والأجرام العِلْويّة، فاعلة لصورها المنطبعة في موادّها الهيولانيّة على ما صرّح به بعض المحقّقين.

1.في النسخة: «أفعال».

2.أي على الطبائع.

3.الأولى: «مراعية».

4.في هامش النسخة: بيان ذلك أنّ الطبيعة ـ سواء كانت كلّيّة أو جزئيّة ـ لكونها قوّة جسمانيّة تكون مع المتّصل بالذات، أو مؤخّرة عنه، وإلّا يلزم صيرورة المجرّد ماديّا ، وهو ممنوع على ما حقّق في مظانّه و... على التقدير الثاني ظاهر، وكذا على التقدير الأوّل؛ لأنّ كلّ أمر يكون مع الآخر معيّة بالذات يكون ممكنا؛ لامتناع المعيّة بين الواجبين، وبين الواجب والممكن على ما حقّق في موضعه؛ فتدبّر (منه عفي عنه).

5.في النسخة: «طبائع».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
446

المذكور كافٍ في إثبات إنّيّة تلك الأفعال، ولذلك يعلّلون الأفعال بغاياتها كتعريض بعض الأسنان مثلاً لصلاحية المضغ التي هي غايتها، فلولا كون تلك الغاية مقتضية لوجود الفعل، لما صحّ التعليل بها ۱ .
هذا كلامه وهو نصّ فيما ذكرناه من أنّه لو لم يكن تلك المصالح والمنافع والحِكَم مقتضية لوجود كلّ من أجزاء العالم بهذا النحو الخاصّ لم يمكن التعليل بها أصلاً.
ثمّ لا يخفى على اُولي النهى أنّ تلك المنافع والمصالح والحِكَم ما لم تكن ۲ موجودة بنحو من أنحاء الوجود لم تكن مقتضية لوجود هذه الأجزاء بهذه الأنحاء؛ ضرورة أنّ المعدوم المطلق لا يقتضي شيئا، وليس لها قبل وجوده العيني وجود في الخارج بديهة، فلا بدّ أن تكون ۳ موجودة بالوجود العلمي، فتصير تلك الحِكَم والمصالح بماهيّاتها على ما هو شأن العلل الغائيّة موجبا ۴ لصدور كلّ واحد منها بهذا النحو الخاصّ عن فاعله وموجده، فلا بدّ للعالم بجميع أجزائه من موجد حكيم عليم بهذه الحكم والمصالح، خبيرٍ بصير بهذه المنافع، قديرٍ على مراعاتها، وهو الإله المدبّر للعالم، فإن كان ذلك المدبّر واجب الوجود بالذات فهو المطلوب، وإلّا فهو ممكن محتاج إلى علّة ومدبّر آخر، وننقل الكلام إلى علّته ومدبّره حتّى ينتهي إلى الإله المدبّر للعالم بجميع أجزائه الواجب بالذات؛ لاستحالة الدور والتسلسل.
فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن يكون مراعي تلك المصالح والمنافع الطبيعةَ كما هو زعم بعض الطبيعيين؟
قلت: ذلك باطل من جهتين: أمّا أوّلاً فلما مرّ أنّ الطبيعة ممكنة محتاجة إلى علّة ومدبّر، والكلام إنّما هو في مدبّر الكلّ الواجب بالذات.

1.شرح الإشارات، ج ۳، ص ۳۷۴.

2.في النسخة: «لم يكن» . وكذا في المورد الآتي.

3.في النسخة: «أن يكون».

4.الظاهر : «موجبةً».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144769
صفحه از 739
پرینت  ارسال به