وأمّا ثانيا فلأنّ الكلام ليس في مصالح الأفعال ۱ الصادرة عن تلك الأجزاء حتّى يمكن أن يقال: مراعي تلك المصالح إنّما هو طبائعها، بل الكلام في وجودها ووقوعها بالأنحاء الخاصّة ، والوجوه المخصوصة التي من جملتها كونها ذا طبائع خاصّة مخصوصة.
والحاصل أنّ وقوعها بهذه الطبائع المخصوصة مثلاً بحيث يترتّب عليها ۲ تلك الحِكَم والمصالح يدلّ على أنّ وجودها بهذه الوجوه المخصوصة ـ التي من جملتها كونها ذا طبائع خاصّة ـ معلّلة بتلك الحِكَم والمصالح، فلا بدّ لها بالضرورة من فاعل مراعٍ لتلك الحِكَم غير طبائعها وهو ظاهر، وغير طبيعة الكلّ بما هو كلّ أيضا، كيف لا، وطبيعة الكلّ بما هو كلّ إمّا متأخّرة عن وجود الأجزاء بهذه الوجوه المخصوصة، أو هي معها، وعلى كلا التقديرين لا يمكن أن تكون مراعيا ۳ لمصالح وجود الأجزاء أصلاً على ما لا يخفى على اُولي النهى؛ فافهم ۴ .
فإن قلت: إنّ طبيعة الكلّ متأخّرة عن وجود موادّ الأجزاء، أو معها لكن لا نسلّم أنّها متأخّرة عن طبيعة الأجزاء، أو معها في الوجود، لِمَ لا يجوز أن يكون مصدر طبيعة الأجزاء طبيعة الكلّ بما هو كلّ، فيكون مراعيا لتلك الحِكَم والمصالح التي اشتملت عليها الأجزاء لصدور الطبائع ۵ الجزئيّة التي يترتّب عليها تلك الحِكَم والمصالح في الحقيقة منها، فإنّ الطبيعة الكلّيّة في عرفهم قوّة سارية في الأجسام الطبيعيّة السِفْليّة والأجرام العِلْويّة، فاعلة لصورها المنطبعة في موادّها الهيولانيّة على ما صرّح به بعض المحقّقين.