449
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

يُعرف ذاته، فخلق الخلق ليُعرف على ما دلّ عليه الحديث القدسي وهو قوله تعالى: كُنْتُ كَنْزا مَخْفِيّا فَأَحْبَبْتُ أَنْ اُعْرَفَ فَخَلَقْتُ الخَلْقَ لِاُعْرَفَ ۱ . انتهى.
ولا يمتنع أن يكون تلك الأفعالُ ـ التي فعلها لأجل ذاته المقدّسة بالقصد الأوّل وبالذات ـ معلّلة باُمور اُخرى بالقصد الثاني وبالتبع، وذلك كما إذا أراد أحد منّا أن يسافر إلى بلد ليحصّل العلم، ولا يمكن له الوصول إلى ذلك البلد إلّا بمركوب فاشترى للوصول إليه مركوبا يوصله إليه، فيكون اشتراء ذلك المركوب معلّلةً أوّلاً وبالذات بتحصيل العلم وهو الباعث على ذلك حقيقة، ومعلّلةً ثانيا وبالتبع بالوصول إلى البلد، وحينئذٍ لو قيل: إنّ اشتراء هذا المركوب لأجل تحصيل العلم لصحّ، ولو قيل: لأجل الوصول إلى البلد لصحّ، كلّ بوجه وجيه.
فعلى هذا لا يبعد أن يقال: إنّ الواجب الحقّ ـ تعالى شأنه ـ أوجد العالم بتمامه لأجل ذاته المقدّسة بأحد الوجهين المذكورين، ولمّا لم يكن انتظام العالم ونظامه إلّا على هذا النحو الواقع من إيجاد كلّ واحد من أجزائه على وجه خاصّ ونحو مخصوص، أوجد كلّ واحد منها لا محالة على هذا الوجه الواقع هو عليه لأجل مصالح العالم ومنافعه، فما هو الباعث

1.ورد الحديث مرسلاً في بعض كتب العرفان والتصوّف والفلسفة مثل: جامع الأسرار، ص ۱۰۲ و۱۴۴ و۱۵۹ و۱۶۲ و۶۰۱؛ الحكمة المتعالية لصدر المتألّهين، ج ۲، ص ۲۸۵ وج ۶، ص ۳۰۱، وفي عدّة من شروح فصوص الحكم، وفي مواضع من مصباح الاُنس؛ وأورده المجلسي الأوّل في بعض آثاره. وأورده الرازي في تفسيره، ج ۲۸، ص ۲۳۴. وورد في التفسير المنسوب لابن عربي، ج ۲، ص ۱۲۳. وأورده النراقي في جامع السعادات، ج ۱، ص ۹۹ و۱۱۰ ؛ والنوري في نفس الرحمان، ص ۲۳۷ ؛ والبرسي في مشارق أنوار اليقين، ص ۳۹. وقال العجلوني في كشف الخفاء، ج ۲، ص ۱۳۲، ح ۲۰۱۶: «قال ابن تيمية: ليس من كلام النبي ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف» وتبعه الزركشي والحافظ ابن حجر في اللآلي والسيوطي وغيرهم. وقال القاري: «لكن معناه صحيح مستفاد من قوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنْسَ إِلَا لِيَعْبُدُوُن» أي ليعرفوني، كما فسّره ابن عبّاس رضي اللّه عنهما، والمشهور على الألسنة: كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن اُعرف... وهو واقع كثيرا في كلام الصوفيّة، واعتمدوا وبنوا عليه اُصولاً لهم».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
448

قلت: الطبيعة الكلّيّة ـ كما سلّمت ـ قوّة سارية حالّة في الأجسام كلّها، وهي على ما صرّحوا به عديمة الشعور، فلا يكون مراعيا ۱ لحكمة ومصلحة أصلاً، ولو سلّم أنّها ذو ۲ شعور ضعيف ـ كما هو الحقّ وصرّح به بعضهم ـ فلا ريب في أنّها قوّة جسمانيّة لا يمكن أن تكون ۳ عالمة بالكلّيات قطعا، فكيف يكون مراعيا ۴ لأمثال تلك الحِكَم والمصالح الجزيلة العظيمة التي تقتضي مراعاتها إدراك الكلّيات قطعا بالضرورة، فمن قال: إنّها فاعلة لصورها المنطبعة لعلّه أراد أنّها واسطةٌ في صدور الصور المنطبعة التي للأجسام العلويّة والسفليّة عن فاعلها، وشرطٌ لصدورها عنها، لا أنّها فاعلة لهم بالحقيقة.
فإن قلت: ملخّص هذا الاستدلال أنّ ملاحظة أجزاء العالم على الوجوه والأنحاء الواقعة يدلّ على أنّها معلّلة بحِكَم ومصالح لا تحصى، فيكون معلولاً ومفعولاً لفاعل فعلها لأجل تلك الحِكَم والمصالح، ومن ذلك يلزم أن يكون أفعال الواجب الحقّ معلّلة بالعلل الغائيّة، والأغراض وهو خلاف ما ذهب إليه أكثر الحكماء والمتكلّمين والصوفيّة، كيف، ولو كان كذلك يلزم استكماله تعالى بالغير، وكون الغير مؤثّرا في ذاته على ما بيّن في موضعه، وكلّ منهما محال.
قلت: غاية ما يلزم من ذلك أن يكون علمه تعالى بتلك الحِكَم والمصالح سببا لتلك الأفعال، ولا يلزم منه ـ على ما قال المحقّق الدواني رحمه الله في شرح رباعيّاته ـ إلّا توقّف فاعليّته تعالى ـ التي هي صفته الإضافيّة ـ على علمه الذي هو صفته الذاتيّة، ولا يلزم منه كونه مستكملاً بالغير، ولا منفعلاً عنه، ومخالفة الجمهور إذا أدّى إليها قاطع البرهان لا محذور فيها.
والأولى عندي أن يقال: العلّة الغائيّة الأوّليّة لأفعاله تعالى إنّما هي ذاته المقدّسة، فإنّه إنّما يفعل ما يفعل لأجل ذاته إمّا لكونه محبّا لذاته فيحبّ آثاره وأفعاله، وإمّا لأنّه يحبّ أن

1.الأولى: «فلا تكون مراعية».

2.في النسخة: «ذي». و لعلّ الأولى: «ذات».

3.في النسخة: «يكون».

4.الأولى: «يكون مراعية».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144609
صفحه از 739
پرینت  ارسال به