يُعرف ذاته، فخلق الخلق ليُعرف على ما دلّ عليه الحديث القدسي وهو قوله تعالى: كُنْتُ كَنْزا مَخْفِيّا فَأَحْبَبْتُ أَنْ اُعْرَفَ فَخَلَقْتُ الخَلْقَ لِاُعْرَفَ ۱ . انتهى.
ولا يمتنع أن يكون تلك الأفعالُ ـ التي فعلها لأجل ذاته المقدّسة بالقصد الأوّل وبالذات ـ معلّلة باُمور اُخرى بالقصد الثاني وبالتبع، وذلك كما إذا أراد أحد منّا أن يسافر إلى بلد ليحصّل العلم، ولا يمكن له الوصول إلى ذلك البلد إلّا بمركوب فاشترى للوصول إليه مركوبا يوصله إليه، فيكون اشتراء ذلك المركوب معلّلةً أوّلاً وبالذات بتحصيل العلم وهو الباعث على ذلك حقيقة، ومعلّلةً ثانيا وبالتبع بالوصول إلى البلد، وحينئذٍ لو قيل: إنّ اشتراء هذا المركوب لأجل تحصيل العلم لصحّ، ولو قيل: لأجل الوصول إلى البلد لصحّ، كلّ بوجه وجيه.
فعلى هذا لا يبعد أن يقال: إنّ الواجب الحقّ ـ تعالى شأنه ـ أوجد العالم بتمامه لأجل ذاته المقدّسة بأحد الوجهين المذكورين، ولمّا لم يكن انتظام العالم ونظامه إلّا على هذا النحو الواقع من إيجاد كلّ واحد من أجزائه على وجه خاصّ ونحو مخصوص، أوجد كلّ واحد منها لا محالة على هذا الوجه الواقع هو عليه لأجل مصالح العالم ومنافعه، فما هو الباعث