يثبتون له حكمة. أمّا الحكمة فإنّما تكون ۱ في حقّ من يفعل شيئا لشيء، فيريد بفعل الأوّل الحكمة الحاصلة بفعله، فأمّا من لا يفعل شيئا لشيء، فلا يتصوّر في حقّه الحكمة، وهؤلاء يقولون: ليس في أفعاله وأحكامه لام تعليل ولا سبب، وعندهم ما اقترن ببعض المفعولات من نعمة، أو طبيعة فهو شاء وجوده معه لا أنّ هذا لأجل هذا، فلم يشأ السبب لأجل الحكم، ولا شاء الحكم لأجل الحكمة؛ ولهذا يقولون: القادر المختار يرجّح مِثْلاً على مِثْلٍ بدون مرجّح أصلاً، وهؤلاء يقولون : ما في الشريعة من المصالح والحِكَم لم يشرع الربّ ـ عزّ وجلّ ـ الأحكام لأجل تلك المصالح والحِكَم، بل اقترنت بها فقط عادة، كما يقولون ذلك في المخلوقات قالوا: فإذا وجدنا الأحكام غلب ظنّنّا أنّ مع الحُكم مصلحةً وإن لم نقل إنّه شرع لأجلها، والعلل عندهم أمارات محضة. والعجب أنّ هؤلاء يقولون في اُصول الدين: إنّ الإحكام والإتقان يدلّ على علم الفاعل، لكن هذا تناقض منهم؛ فإنّ ذاك إنّما يكون فيمن يقصد أن يفعل المفعول على وجه مخصوص لأجل الحكمة المطلوبة، فإذا قالوا: لا يفعل الحكمة امتنع عندهم أن يكون الإحكام دليلاً على العلم، وأيضا فعلى قولهم: يمتنع أن يكون له حمد؛ لأنّ ما حصل للعباد من نفع فهو لم يقصد عندهم خلقه لنفع العباد أصلاً، بل قصد مجرّد وجوده لا لنفع أحد ولا لضرره ولا لمقصود أصلاً، فكيف يتصوّر في مثل هذا حمد. انتهى.
فالحقّ الحقيق بالتصديق والتحقيق ما حقّقناه فإنّه لا يلزم منه استكماله وانفعاله تعالى بالغير وعن الغير أصلاً، ولا كونه غير مستحقّ للحمد، ولا أن لا يكون حكيما قطعا؛ فاعرفه. وإنّما أطنبنا الكلام في هذا المقام بحيث خرج عمّا هو المرام؛ لأنّه من اُمّهات مطالب الحكمة والكلام، ومن مزالّ أقدام أفهام أئمّة الأنام، من العلماء الأعلام، والحكماء العظام، وممّا ينبغي أن يعتنى به؛ لكونه من اُصول عقائد الإسلام.