451
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

يثبتون له حكمة. أمّا الحكمة فإنّما تكون ۱ في حقّ من يفعل شيئا لشيء، فيريد بفعل الأوّل الحكمة الحاصلة بفعله، فأمّا من لا يفعل شيئا لشيء، فلا يتصوّر في حقّه الحكمة، وهؤلاء يقولون: ليس في أفعاله وأحكامه لام تعليل ولا سبب، وعندهم ما اقترن ببعض المفعولات من نعمة، أو طبيعة فهو شاء وجوده معه لا أنّ هذا لأجل هذا، فلم يشأ السبب لأجل الحكم، ولا شاء الحكم لأجل الحكمة؛ ولهذا يقولون: القادر المختار يرجّح مِثْلاً على مِثْلٍ بدون مرجّح أصلاً، وهؤلاء يقولون : ما في الشريعة من المصالح والحِكَم لم يشرع الربّ ـ عزّ وجلّ ـ الأحكام لأجل تلك المصالح والحِكَم، بل اقترنت بها فقط عادة، كما يقولون ذلك في المخلوقات قالوا: فإذا وجدنا الأحكام غلب ظنّنّا أنّ مع الحُكم مصلحةً وإن لم نقل إنّه شرع لأجلها، والعلل عندهم أمارات محضة. والعجب أنّ هؤلاء يقولون في اُصول الدين: إنّ الإحكام والإتقان يدلّ على علم الفاعل، لكن هذا تناقض منهم؛ فإنّ ذاك إنّما يكون فيمن يقصد أن يفعل المفعول على وجه مخصوص لأجل الحكمة المطلوبة، فإذا قالوا: لا يفعل الحكمة امتنع عندهم أن يكون الإحكام دليلاً على العلم، وأيضا فعلى قولهم: يمتنع أن يكون له حمد؛ لأنّ ما حصل للعباد من نفع فهو لم يقصد عندهم خلقه لنفع العباد أصلاً، بل قصد مجرّد وجوده لا لنفع أحد ولا لضرره ولا لمقصود أصلاً، فكيف يتصوّر في مثل هذا حمد. انتهى.
فالحقّ الحقيق بالتصديق والتحقيق ما حقّقناه فإنّه لا يلزم منه استكماله وانفعاله تعالى بالغير وعن الغير أصلاً، ولا كونه غير مستحقّ للحمد، ولا أن لا يكون حكيما قطعا؛ فاعرفه. وإنّما أطنبنا الكلام في هذا المقام بحيث خرج عمّا هو المرام؛ لأنّه من اُمّهات مطالب الحكمة والكلام، ومن مزالّ أقدام أفهام أئمّة الأنام، من العلماء الأعلام، والحكماء العظام، وممّا ينبغي أن يعتنى به؛ لكونه من اُصول عقائد الإسلام.

1.في النسخة: «يكون».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
450

حقيقة لإيجاد أجزاء العالم على الوجوه المخصوصة ليس إلّا ذاته المقدّسة، وحصول تلك المصالح والمنافع إنّما هو الباعث الثانوي، فهو ما لأجله الفعل ثانيا وبالتبع، فلا يلزم استكماله تعالى بالغير؛ إذ الاستكمال لو لزم فإنّما يلزم بما يكون الفعل لأجله أوّلاً وبالذات، لا بما يكون الفعل ثانيا وبالتبع.
وكذا لا يلزم انفعاله تعالى عن الغير وتأثير الغير في ذاته المقدّسة، فإنّ الباعث والموجب حقيقة وبالذات لفعله إنّما هو ذاته المتعالية لا الغير، والمصلحة إنّما هي موجب وباعث ۱ ثانيا وبالتبع، فلا يلزم انفعاله عن الغير حقيقة؛ فاعرف ذلك فإنّه الحقّ الحقيق بالتصديق.
وممّا حقّقناه تبيّن وظهر أنّه لا حاجة إلى تأويل الآيات والأحاديث الصريحة في أنّ بعض أفعاله معلّلة ۲ بالغرض بمجرّد ترتّب ذلك الغرض عليها بدون أن يكون تلك الأفعال لأجله، بل ينبغي أن لا تصرف ۳ عن ظواهرها؛ إذ لا محذور في التزام كون تلك الأفعال لأجل غرض أصلاً كما عرفت، كيف، وإنّا نعلم بالضرورة أنّ إيجاب بعض الحدود والكفّارات على المرتكبين لبعض المنهيّات من اللّه تعالى ليس إلّا لغرض الانزجار عن تلك المعاصي، والمنازعُ مكابرٌ، وكذا نعلم يقينا عند التأمّل في منافع أعضاء الإنسان بل الحيوان والنبات لأجل تلك المنافع، وكذا لا يشكّ المتدبّر في كيفيّة خلق السماوات والأرض أنّ خلقها على تلك الوجوه المخصوصة الواقعة هي عليها إنّما هي لحِكَم ومصالح لا تعدّ ولا تحصى، ومن أنكر فقد كابر مقتضى عقله، ويلزم من القول بأنّ أفعاله تعالى ليست معلّلة بالأغراض مطلقا ـ كما هو مذهب أكثر الأشاعرة ـ أن لا يكون الواجب الحقّ ـ تعالى شأنه ـ حكيما أصلاً، ولا مستحقّا للحمد على ما صرّح به بعض المحقّقين من أهل السنّة وهو أبو العبّاس أحمد بن تيميّة في بعض رسائله حيث قال ما ملخّصه:
وأمّا نفاة الحكم والأسباب من مثبتة القدر فهم في الحقيقة لا يثبتون له حمدا كما لا

1.كذا. والأولى : «موجبة وباعثة».

2.كذا. ولعلّ الصواب: «معلّل».

3.في النسخة: «يصرف».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144056
صفحه از 739
پرینت  ارسال به