453
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

إدراك، فإذا أدركت قوّة جسمانيّة أمرا، لزم أن يدركه بأجزائها، فيكون لكلّ جزء من تلك القوّة إدراك، وإلّا لم يكن القوّة بتمامها مدركة، أو لم يكن القوّة مدركة أصلاً، هذا خلف.
فالذي يدركه الجزء ويعلمه إمّا أن يكون خارجا عمّا يعلمه الكلّ ويدركه، أو عينه، أو جزءه، فعلى الأوّل لم يكن القوّة بتمامها مدركا عالما ۱ بهذا المعلوم، وبطلانه ظاهر.
وعلى الثاني ـ وهو أن يكون كلّ جزء مدركا عالما بتمام المعلوم بعينه ـ يلزم محذورات ومحالات:
الأوّل: ما ذكره بعض المحقّقين من أنّه على هذا التقدير يلزم أن لا يكون ذلك المدرك المعلوم معلوما ۲ أصلاً؛ فإنّه إذا كانت القوّة الجسمانيّة مدركة عالمة بذلك المعلوم الغير المنقسم بتمام أجزائها ۳ ، كان هذا المعلوم بعينه مدركا معلوما لكلّ جزء، ولكلّ جزء من القوّة أجزاء غير متناهية، فأيّ جزء فرض من القوّة أنّه يكون عالما مدركا ، فعلم ذلك الجزء ـ لكونه جسمانيا منقسما بوجوه غير متناهية ـ إنّما يكون بإدراك أجزائه، وللأجزاء أيضا أجزاء كذلك، فلا يتصوّر ظهور إدراك جزء؛ لكون ذلك الإدراك يتصوّر بوجوه غير متناهية لا يخصّص بشيء منها، فيلزم حصول الكثير بدون الواحد؛ حيث لا يتصوّر إدراك واحد من جزء واحد؛ إذ كلّ جزء فرض أنّه مدرك عالم لا يمكن أن يظهر منه إدراك واحد؛ لأنّ إدراك هذا الجزء إدراكات غير متناهية بأجزاء غير متناهية بصور غير متناهية لا يخصّص بشيء منها ۴ ، فكيف يمكن ويتصوّر أن يوجد واحد لا يمكن أن يوجد ذلك الواحد إلّا باُمور كثيرة غير متناهية، وكلّ من تلك الاُمور الغير المتناهية لا يوجد إلّا باُمور غير متناهية اُخرى، وهكذا إلى غير النهاية، فلا يمكن ولا يتصوّر أن يظهر إدراك واحد غير منقسم بعينه من قوّة جسمانيّة يكون كلّ جزء منها مدركا عالما بذلك الأمر بعينه.

1.كذا. والصواب ظاهرا : «مدركة عالمة»؛ لتطابق الاسم والخبر. كما تقدّم نظيره في السطور السابقة و سيأتى في السطور الآتية.

2.في النسخة: «معلوم».

3.أي أجزاء القوّة الجسمانية.

4.أي من إدراكات غير متناهية.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
452

۰.وغيرِ ذلك من الآيات العجيبات المبيِّنات ، عَلِمْتُ أنَّ لهذا مقدِّرا ومُنْشِئا» .

الوجه الثالث ۱

وهو ما أشار إليه عليه السلام بقوله: (وغير ذلك من الآيات العجيبات المبيّنات) استدلال بأنحاء اُخر من البراهين الإنّيّة كالاستدلال بالنفوس الإنسيّة وأحوالها وغير ذلك [على] وجوده تعالى. ولعلّ المراد بالعجيبات هي الخارجة عن أن يحكم العقل الصحيح باستنادها إلى غير الإله الحقّ المدبّر للعالم من الطبائع وغيرها. و«المبيّنات» على صيغة المفعول من باب التفعيل، أو الفاعل منه.
قيل: قوله عليه السلام : «علمتُ» إنشاء في موضع شهدتُ وأشهد.
وأقول: لا ضير في حمله على ظاهره.
وقوله عليه السلام : (أنّ لهذا) أي لهذا العالم المنتظم من السماوات والأرضين وما فيهما وبينهما مُقدِّرا يتنظم بتقديره، ومُنشِئا يوجد بإنشائه.
ثمّ هذا الوجه مشتمل على مناهج كثيرة، وقد اقتصرت بذكر أربعة عشر منهجا:

المنهج الأوّل في الاستدلال على وجوده تعالى بالنفوس الإنسيّة وأحوالها، وفيه طرق

الطريق الأوّل: أنّ النفس الإنساني جوهر مجرّد؛ إذ لو كانت أمرا جسمانيا وقوّة جسميّة، يلزم أن لا تكون ۲ مدركة للاُمور المعقولة الغير المنقسمة المجرّدة؛ لأنّ كلّ ما يظهر من قوّة جسمانيّة ـ أثرا كان أو تأثيرا، فعلاً أو انفعالاً أو تأثّرا أو إدراكا ـ إنّما يظهر منها بذاتها وتمام أجزائها؛ إذ الكلّ ليس إلّا ذوات الأجزاء، والمجموع بما هو مجموع اعتبار عقلي ليس بموجود خارجي، فلا يظهر منه شيء في الخارج، لا فعل ولا انفعال ولا تأثير ولا تأثّر ولا

1.تقدّم الوجه الثاني في ص ۲۸۹.

2.في النسخة: «أن لا يكون».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125431
صفحه از 739
پرینت  ارسال به