455
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

عليها، وتتضرّع ۱ إليها في المضائق وهو إلهها وعلّتها وفاعلها.
وأمّا ثانيا فلأنّ الواجب بالذات لا يمكن أن يتعدّد، والنفوس البشريّة متعدّدة متكثّرة.
وأمّا ثالثا فلما حقّق في موضعه من أنّ الواجب بالذات لا يمكن أن يكون نفسا أصلاً، فهي ممكنة، وتنتهي إلى الواجب بالذات المجرّد وهو المطلوب؛ فتأمّل ۲ .
الطريق الثاني: هو الاستدلال على وجوده تعالى بحصول العلوم البديهيّة وبعض النظريّة للنفوس الإنسيّة، وذلك بأن يقال: إنّ المعاني الكلّيّة الأوّليّة حصلت في النفوس الإنسيّة بعد ما لم تكن ۳ ، فإمّا أن حصلـ[ت] بتصفّح الجزئيات، أو بفيض علوي إلهي يتّصل بها على طريق الإلهام، لكنّ المعاني الكلّيّة الأوّليّة كمعنى قولك: الكلّ أعظم من جزئه، لو كانت تستفاد باستقراء الجزئيات، لما كان بها ثقة واعتماد، بل وما كانت كلّيّات بالحقيقة؛ إذ لا يؤمن وجود شيء مخالفٍ لحكم ما أدركته، ومن البيّن أنّ هذه المعاني هي في غاية الثقة والصحّة وهي علّة الوثوق بغيرها، فإذا حصولها بفيض علوي ونور إلهي يتّصل بها، فيخرجها من حدّ القوّة إلى حدّ الفعل، بل نقول: إنّ النفس الإنسانيّة قد تتردّد ۴ في معرفة أمر وحكمته إيجابا وسلبا، ثمّ إذا توجّهت واستفاضت، علمت حكمه بإيجاب، أو سلب بإفاضة غيرها على سبيل الإلهام، والنفس لتردّدها لم تكن ۵ مستعدّة قابلة مستدعية لأحدهما بخصوصه، فالمفيض يخصّص أحد الحكمين بالإفاضة، وإنّما يتأتّى هذا التخصيص بالعناية، أو الإرادة من مفيض مجرّد؛ إذ الفيض أمر معقول لا يمكن أن يحصل بأمر جسماني، كوضع جسماني أو طبيعة جسمانيّة على ما حقّق في موضعه، فالمفيض أمر مجرّد أفاضه بعناية أو إرادة؛ إذ من المستبعد المستنكر أن يحصل هذا الحكم المخصوص

1.في النسخة: «يعلم... يتّكل... يتضرّع».

2.في هامش النسخة: لأنّ علّة المجرّد وعلّة علّته ، وهكذا لا يمكن أن يكون مادّيا، وإلّا لزم تعليل الأشرف بالأخسّ، وهو أجلّ (منه عفي عنه).

3.في النسخة: «لم يكن».

4.في النسخة: «قد يتردّد».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
454

الثاني: ما يستفاد من كلام الرئيس من أنّه يلزم أن يكون ذلك المعلوم معلوما مرّات غير متناهية، فإن قال قائل بمنع بطلان اللازم، قلنا: نعلم أنّه ليس في قوّة هذا الإدراك أن ينفصل إلى إدراكات كثيرة.
الثالث: أنّه معلوم ظاهر أنّ كلّ ما يظهر من كلّ فهو أكثر ممّا يظهر من جزئه، فلو أدركت قوّة جسمانيّة أمرا غير منقسم، وأدرك كلّ جزء منها هذا الأمر بعينه، لزم أن يكون ما ظهر من الجزء مثل ما ظهر من الكلّ، وإذا بطل الاحتمال الأوّل والثاني تعيّن الثالث، وهو أن يكون ما يدركه بعض القوّة الجسميّة بعضا ممّا يدركه كلّاً فلم يكن ما تدركه القوّة الجسميّة أمرا غير قابل للقسمة، وإذا كان ما يدركه ۱ القوّة الجسميّة منقسما كان كلّ جزء من القوّة مدركا لجزء من ذلك الأمر، كلّ جزء بإزاء جزء منقسم بانقسامه كأنّه منطبق عليه، فلم يلزم محذور.
فظهر وثبت أنّ القوّة الجسميّة لا تدرك الأمر الغير المنقسم أصلاً، ولا ريب أنّ النفس الإنسيّة تدرك ۲ كثيرا من الاُمور المعقولة الغير المنقسمة، فإنّا نعلم ضرورة أنّا نعلم اُمورَ كثيرةٍ مفهومات، ومعاني عديدة لا يقبل شيء منها قسمة أصلاً، مثل معنى الحصول والشيئيّة، والإمكان والوجوب، والنسبة والإضافة، والثبوت والتحقّق، والنفي والسلب، ومعنى كلمة «لا» والرجحان والزيادة والنقصان، والمرّة والكرّة والأفضليّة والتفضيل، والتجرّد والضمّ، والاشتراط والإفاضة، والعلّيّة والمعلوليّة، والوحدة والأوّل والآخر.
وبالجملة، معلوم بالضرورة أنّ في معلوماتنا اُمورا ۳ ومعانيَ غير قابلة للقسمة أصلاً بوجه، فالنفس الإنسيّة قوّة مجرّدة لا أمر جسماني، وإلّا لم تكن ۴ مدركة لها أصلاً.
ثمّ تلك النفوس المجرّدة الإنسيّة ليست بواجبة بالذات.
أمّا أوّلاً فلما مرّ من أنّ كلّ نفس إذا رجعت وجدانها تعلم أنّ لها أمرا أو ذاتا تتّكل

1.في النسخة: «يدركه».

2.في النسخة: «يدرك».

3.في النسخة: «اُمور».

4.في النسخة: «لم يكن».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125401
صفحه از 739
پرینت  ارسال به