457
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

لبعض النفوس دون بعض؛ لأنّا نقول: استعداد القابل شرط في حصول المعدّة من العلّة الفاعليّة، فيجوز أن يكون المقدّمتان علّة فاعليّة موجبة للعلم بالنتيجة في بعض النفوس القابلة لذلك العلم دون النفوس الغير القابلة.
بل لما أقول ۱ : وهو أنّ العلم بالنتيجة قد يبقى في النفوس الإنسيّة بعد زوال القياس والمقدّمتين عن تلك النفوس والأذهان، وبعد نسيانهما بالكلّيّة كما يظهر من التفحّص والرجوع إلى الوجدان؛ ولهذا قد يشكّ في بداهة بعض العلوم اليقينيّة ونظريّته، وذلك لنسيان طريق حصوله حتّى يستدلّون على بداهته، أو نظريّته كما هو المشهور في الكتب، ولو كان القياس والمقدّمتان علّة فاعليّة للعلم بالنتيجة، لما كان كذلك؛ ضرورة انعدام المعلول عند انعدام علّته الفاعليّة، فالقياس والمقدّمتان علّة معدّة للعلوم النظريّة الكسبيّة لا موجبة، فلا بدّ لها ۲ من علّة فاعليّة موجبة مجرّدة لتجرّدها ۳ ، وتلك العلّة المجرّدة إن كانت واجبة بالذات، ثبت المطلوب، [وإلّا تنتهي ]إلى علّة مجرّدة واجبة بالذات بالضرورة؛ فافهم.
الطريق الرابع: النفوس الإنسيّة تتذكّر المعقولات بعد ذهولها عنها من غير نسيان، فالصور العقليّة المعقولة التي ذهلت عنها موجودة، وإلّا لكانت منسيّة لا مذهولة عنها؛ فإنّ الفرق بين الذهول والنسيان أنّ المذهول عنها موجودة، والمنسيّ غير موجودة، ففي الصور الحسّيّة الصور المذهولة عنها موجودة في القوّة الحافظة، فعند التذكّر يلتفت إليها ويعيدها إلى المدركة، وليس للصور المعقولة من القوى الإنسيّة محلّ غير العاقلة، فلو كانت في العاقلة، لكانت معلومة من غير ذهول، فتلك الصور المعقولة مرتسمة في أمر مجرّد؛ لامتناع ارتسامها في الجسم والجسماني على ما بيّن في موضعه، وذلك الأمر المجرّد المرتسم فيه صور المعقولات أجمع إنّما هو العقل الفعّال، والإنسان عند التذكّر يلتفت إلى تلك الصورة التي في العقل الفعّال فيحضرها ويعيدها إلى العاقلة فيدركها، فيكون العقل الفعّال قوّة له

1.دليل لقوله: «وفاعل حصوله ليس القياس».

2.أي للنفس.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
456

بإيجاب طبيعة المفيض، والتخصيص بالعناية والإرادة مستلزم لعلم المفيض بالحكم، فالمفيض مجرّد عالم ويفيض ما له من العلم، فإمّا أن يكون واجبا، أو ينتهي إلى مجرّد عالم واجب بالذات، هذا.
وأنت خبير بأنّ مجرّد تجرّد المفيض لتلك العلوم كافٍ فيما نحن بصدده هاهنا من إثبات المجرّد الواجب بالذات، ولا حاجة لنا في هذا المطلب إلى إثبات علمه، فما ذكرناه في بيان علم ذلك المفيض لعلّه تكلّف مستغنٍ عنه؛ فافهم.
الطريق الثالث: العلوم الكسبيّة اليقينيّة قد تحصل للنفوس الإنسيّة بعد ما لم تكن ۱ حاصلاً، وفاعل حصوله ۲ ليس القياس ۳ ، لا لما قيل من أنّ المقدّمتين المركّبتين لا تفيدان ۴ العلم بالنتيجة؛ لأنّا نجد كثيرا من الأقيسة يعرض على بعض الأشخاص فلا يفيده ظنّا فضلاً عن العلم، ويعرض على شخص آخر فيفيده علما يقينيا يزول معه الريب، ولو كان موجبا للعلم، لكان أينما وجد العلم بالقياس وجد العلم بالنتيجة، فحصول العلم بالنتيجة لأحد الشخصين دون الآخر يدلّ على أنّ الأقيسة وسائط معدّة لقبول العلم من العقل المجرّد؛ لأنّه منظور فيه؛ فإنّ الأقيسة لو كانت معدّة أيضا لقبول العلم، لوجب أن يكون كلّيا لا لبعض النفوس.
فإن قيل: إنّما يكون حصول المقدّمتين في النفس معدّا لحصول العلم بالنتيجة بشرط كونها ۵ قابلاً ۶ للفيض القدسي الموجب لليقين، فمرادهم من كون المقدّمات معدّة إنّما هو عند استعدادها وقابليّتها، وإلّا فقد يعرض على بعضهم مقدّمات بيّنة فيسلّمها، ويمنع النتيجة؛ لوجود مانع يمنعها ۷ عن قبولها ۸ ، وهو فساد الوهم وكدورة المزاج وأحوال اُخرى.
قلت: ما ذكرته في إعداد المقدّمتين لبعض النفوس دون بعض يجري بعينه في إيجابهما

1.في النسخة: «قد يحصل... ما لم يكن».

2.كذا. والصواب ظاهرا : «حصولها».

3.الدليل عليه قوله: «بل لما أقول».

4.في النسخة: «لا يفيدان».

5.أي النفس.

6.كذا، ولعلّ الصواب : «قابلة» لتطابق الاسم والخبر.

7.أي النتيجة.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125388
صفحه از 739
پرینت  ارسال به