461
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

.........

المنهج الثالث

كلّ ما يقع تحت مقولة من المقولات ـ جوهرا كان أو كمّا أو كيفا أو غيرها، وبالجملة كلّ ما يكون شيئا موجودا، وعلى هذا فيكون له مهيّة لا يأبى محض نفسها من حيث هي أن يحصل في ذهن من الأذهان، ولا يمتنع ذلك بالنظر إلى محوضتها وصرافتها ۱ ـ يكون ممكنا؛ لأنّ كلّ أمر يحصل في ذهن ما، أو أمكن أن يحصل فيه نظرا إلى نفس ذاته يتجرّد عن الوجود العيني، أو أمكن أن يتجرّد ويتعرّى عنه؛ ضرورة أنّه حال وجوده في الذهن لا يكون موجودا عينيا، وإذا أمكن أن يتعرّى ويتجرّد عن الوجود العيني، لم يكن ذاته بذاته موجودا عينيا، وإلّا لما تجرّد عنه؛ فإنّ كلّ ما يكون بذاته موجودا عينيا، ويكون ذاته من حيث هي مبدءا لانتزاع الوجود، ومصداقا لصدق الموجود، لا يمكن أن يتجرّد عن الوجود والموجوديّة أصلاً بأيّ وجه كان، وفي أيّ ظرف يكون بالضرورة، وإذا لم يكن ذاته موجودا ويحتاج في موجوديّته إلى جاعل وفاعل بالضرورة، فيكون ممكنا معلولاً، فكلّ ما يقع تحت مقولة من المقولات ـ من السماوات والأرضين وغيرهما من الموجودات المشاهدة المعلومة بذواتها بالفعل أو التي يمكن أن تعلم، ولا تأبى ۲ نفس ذواتها عن المعلوميّة ـ يكون ممكنا معلولاً.
فنقول: علّته يجب أن تنتهي ۳ إلى ما لا يكون شيئا موجودا، بل يكون موجودا بحتا لا يمكن أن يحصل منه في ذهن من الأذهان إلّا ما هو عرضي له، ويمتنع أن يحصل بنفس ذاته في ذهن ما؛ لامتناع تجرّده عن الموجوديّة العينيّة في مرتبة من المراتب، وكلّ ما يكون كذلك يكون واجبا بالذات؛ لكونه موجودا بذاته وبنفس مهيّته وهو المطلوب. ولعلّ

1.في هامش النسخة: كلّ ذي مهيّة يمكن أن يحصل في مدرك من المدارك ، ولا يأبى محض نفسها من حيث هي عن ذلك، وإنّما يأبى عن ذلك ما هو مجرّد الوجود وبحتُه بالضرورة لا غير (منه عفي عنه).

2.في النسخة: «أن يعلم ولا يأبى».

3.في النسخة: «أن ينتهي».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
460

وأمّا الأجسام الفلكيّة ، فلتغيّرها في الأوضاع بواسطة الحركات، بل لتغيّر نفوسها أيضا؛ لأنّ تغيّر الأوضاع بواسطة الحركات الإراديّة لا يتصوّر إلّا بتغيّر مبدأ تلك الحركات، أي نفوسها، بالضرورة.
وأمّا النفوس الإنسيّة والحيوانيّة، فتغيّرها أيضا ظاهر من تغيّر حركاتها وإراداتها وغيرهما.
وأمّا تغيّر العقول، فباعتبار اتّصاف ذواتها الخالية عن الوجود والوجوب بالوجود الزائد على ذاته والوجوب بالغير.
وكذا الحال في سائر الموجودات الممكنة، وكلّ متغيّر فهو تحت متصرّف يغيّره على التغلّب، ويحوّله من الحال إلى الحال؛ لأنّ الشيء بنفسه يستحيل أن يوجب الخروج عمّا هو عليه، وإلّا امتنع دخوله فيه، وكلّ ما هو تحت تصرّف الغير ـ ولا سيّما في وجوده ووجوبه ـ فهو معلول بالضرورة، فحينئذٍ نقول: العالم بجميع أجزائه متغيّر، وكلّ متغيّر معلول، فالعالم بجميع أجزائه معلول.
قيل: ولعلّ هذا مرادهم ممّا اشتهر بينهم وهو قولهم: العالم متغيّر، وكلّ متغيّر حادث، فالعالم حادث، فأرادوا بالحدوث الذاتيّ لا الزماني كما يتوهّم، فعلّة العالم يجب أن يكون أمرا موجودا غير متغيّر أصلاً، وليس ذلك إلّا واجب الوجود بالذات، لما عرفت من أنّ كلّ ممكن موجود يتغيّر ذاته الخالي عن الوجود والوجوب بالاتّصاف بهما بسبب موجده وموجبه؛ فتأمّل ۱ .

1.في هامش النسخة: قد اقتصر بعضهم في هذا الدليل بذكر تغيّر الأجسام والنفوس بما ذكرناه من غير التعرّض بذكر تغيّر العقول بما حرّرناه، و... انّ المقدّمة القائلة بأنّ كلّ ما هو تحت تصرّف الغير في ذاته أو صفاته وأحواله معلول حدسيّة يحكم بها كلّ ذي فطرة سليمة وفطنة قويمة. ثمّ أتمّ الدليل هكذا: فعلّة العالم أمر غير متغيّر، فهو إمّا واجب أو ينتهي إليه وهو المطلوب؛ فتأمّل (منه عفي عنه).

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126305
صفحه از 739
پرینت  ارسال به