465
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

بالضرورة؛ ولهذا لا يجوّز من له فطرة سليمة أن يكون موجد شخص واحد فواعل متعدّدة على ما سيجيء التنبيه عليه في موضعه، وتلك القوّة المتصرّفة العمّالة العاملة هي الطبيعة، فللعالم بجميع أجزائه طبيعة واحدة كلّيّة شاملة لها، فاشية فيها.
وبوجه آخر قيل:
لا ريب في أنّ اُصول أجزاء العالم بأسرها وتمامها علّة تامّة لكلّ واحد من الحوادث الواقعة الكائنة فيه، والعلّة التامّة إذا كانت متضمّنة لكثرة لا بدّ أن يكون بين تلك الاُمور الكثيرة ربط وعلاقة بها يصير الكلّ علّة واحدة موجبة لحصول معلول معيّن واحد على ما يحكم به الفطرة السليمة والفطرة القويمة المستقيمة، وما يحصل به الارتباط المذكور ليس إلّا الطبيعة الواحدة الكلّيّة الشاملة للكلّ، الفاشية فيها. انتهى كلام هذا القائل في بيان هذا المطلب.
وأقول: فيه نظر ظاهر كما لا يخفى على الناظر فيه.
فإن قيل: لا نسلّم أنّ القوّة المتصرّفة العمّالة وما به يحصل الارتباط المذكور ليس إلّا الطبيعة الكلّيّة، ولِمَ لا يجوز أن يكون نفسا للكلّ على ما سيجيء؟
قلنا: على هذا التقدير أيضا يثبت وحدة العالم الجسماني الذي هو المطلوب كما لا يخفى.
وبوجه آخر أقول: لا شكّ في أنّ بين أجزاء العالم ارتباطا وائتلافا طبيعيا ۱ ، وكلّ منها مرتبط بالآخر، بل لكلّ منها ارتباط بكلّ منها بحيث حصل منها جملة مرتبطة متّسقة منتظمة مؤتلفة ائتلافا طبيعيا، فلا بدّ أن يكون هناك أمر به يرتبط تلك الأجزاء بعضها ببعض، وينضمّ شطر منها إلى شطر، وإلّا لما وجد هذا ۲ الائتلاف والارتباط الطبيعي، بل وجد الوضع منتشرا، والصنع متبدّدا، والرؤساء متكثّرة ، والنظام والانتظام والارتباط والاتّساق والسياسة

1.في النسخة: «ارتباط و ائتلاف طبيعي».

2.في النسخة: «هذه».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
464

وأمّا ثالثا على ما تفطنت به، فلأنّه لا بدّ في مثل هذا المركّب أن يكون بين أجزائه ارتباط وتعلّق خاصّ، بل استلزام واحتياج على ما ادّعوه بالضرورة، والمنازع في ذلك مكابر، وذلك الارتباط والتعلّق الذي لا بدّ أن يكون بين أجزاء ذلك المركّب لا يكون واجبا بالذات؛ ضرورة امتناع تحقّقه بدون تلك الأجزاء، فيكون ممكنا معلولاً لتلك الأجزاء، أو لبعض منها، أو لغيرها، وعلى كلّ تقدير يكون ذلك الواحد الحقيقي المركّب من تلك الاُمور من حيث إنّه واحد ممكنا معلولاً بالضرورة، بل الأولى أن يقال: إنّه لا بدّ كما مرّ من الاستلزام بل الاحتياج بين أجزاء ذلك المركّب، ولا يكون بين الواجبات المحضة، ولا بين الاُمور الاتّفاقيّة استلزام ولا تلازم على ما حقّق في موضعه وسيجيء أيضا، بل ولا احتياج أصلاً، وهو ظاهر، فكلّ مركّب له وحدة حقيقيّة إمّا محض الممكنات المعلولة، أو ممكن وواجب إن أمكن ذلك، وعلى كلّ تقدير يكون ممكنا بالضرورة، فكلّ مركّب له وحدة حقيقيّة يكون ممكنا معلولاً قطعا، وهو المطلوب.
المقدّمة الثانية ۱ : للعالم الجسماني بجميع أجزائه واحد طبيعي له وحدة حقيقيّة يكون؛ لأنّه لا يخفى على المتأمّل في أحوال العالم والمتدبّر فيها أنّ الطبائع والقوى المختلفة التي في الأجزاء المتباينة التي للعالم مع اختلاف مقتضياتها يؤثّر في شخص وأمر واحد كأنّها متعاونة في التأثير في هذا الشخص المعيّن والأمر الواحد ويدبّره تدبيرا وحدانيا، فلا بدّ أن يكون هناك قوّة قويّة على إعمال تلك القوى المتباينة المختلفة وصرفها وجبرها على تباين آثارها واختلاف مقتضياتها على التأثير في ذلك الأمر الواحد ليكون تلك القوّة عاملة مستعملة لتلك القوى المختلفة، فيكون تلك القوى المختلفة كلّها بمنزلة الآلات والقوى لتلك القوّة الواحدة المتصرّفة، وإلّا لم يتحقّق بينها ۲ هذا التعاون في التأثير والاتّفاق في التدبير، ولم يتصوّر من هذه القوى والطبائع المختلفة المتباينة هذا التدبير الوحداني أصلاً

1.في النسخة: «المنهج الرابع»، وهو تصحيف.

2.أي بين القوى المختلفة.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144048
صفحه از 739
پرینت  ارسال به