بالضرورة؛ ولهذا لا يجوّز من له فطرة سليمة أن يكون موجد شخص واحد فواعل متعدّدة على ما سيجيء التنبيه عليه في موضعه، وتلك القوّة المتصرّفة العمّالة العاملة هي الطبيعة، فللعالم بجميع أجزائه طبيعة واحدة كلّيّة شاملة لها، فاشية فيها.
وبوجه آخر قيل:
لا ريب في أنّ اُصول أجزاء العالم بأسرها وتمامها علّة تامّة لكلّ واحد من الحوادث الواقعة الكائنة فيه، والعلّة التامّة إذا كانت متضمّنة لكثرة لا بدّ أن يكون بين تلك الاُمور الكثيرة ربط وعلاقة بها يصير الكلّ علّة واحدة موجبة لحصول معلول معيّن واحد على ما يحكم به الفطرة السليمة والفطرة القويمة المستقيمة، وما يحصل به الارتباط المذكور ليس إلّا الطبيعة الواحدة الكلّيّة الشاملة للكلّ، الفاشية فيها. انتهى كلام هذا القائل في بيان هذا المطلب.
وأقول: فيه نظر ظاهر كما لا يخفى على الناظر فيه.
فإن قيل: لا نسلّم أنّ القوّة المتصرّفة العمّالة وما به يحصل الارتباط المذكور ليس إلّا الطبيعة الكلّيّة، ولِمَ لا يجوز أن يكون نفسا للكلّ على ما سيجيء؟
قلنا: على هذا التقدير أيضا يثبت وحدة العالم الجسماني الذي هو المطلوب كما لا يخفى.
وبوجه آخر أقول: لا شكّ في أنّ بين أجزاء العالم ارتباطا وائتلافا طبيعيا ۱ ، وكلّ منها مرتبط بالآخر، بل لكلّ منها ارتباط بكلّ منها بحيث حصل منها جملة مرتبطة متّسقة منتظمة مؤتلفة ائتلافا طبيعيا، فلا بدّ أن يكون هناك أمر به يرتبط تلك الأجزاء بعضها ببعض، وينضمّ شطر منها إلى شطر، وإلّا لما وجد هذا ۲ الائتلاف والارتباط الطبيعي، بل وجد الوضع منتشرا، والصنع متبدّدا، والرؤساء متكثّرة ، والنظام والانتظام والارتباط والاتّساق والسياسة