469
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

.........

المنهج السابع

كلّ من تأمّل في خلق الإنسان وكيفيّته، بل في سائر الحيوان أيضا، وعرف اشتماله على أفعال محكمة متقنة على نظام مشاهد بديع غريب من الصور العجيبة والنفوس المؤتلفة والألوان المختلفة وما روعي فيها من حِكَم ومصالح قد تحيّرت فيها الأوهام وعجزت عن إدراكه العقول والأفهام على ما شرحه التشريح عند شرح منافع الأعضاء، وقد بلغ المدوّن منها خمسة آلاف مع أنّ ما لم يعلم منها أكثر ممّا قد علم كما لا يخفى على ذي الحدس الكامل، علم أنّه ليس إلّا فعل فاعل حكيم عليم قدير، وأنّ استناد أمثال تلك الأفعال المشتملة على تلك الحِكَم والمصالح إلى المصوّرة ـ وهي قوّة عديمة الشعور، أو ضعيفة الشعور عند بعض وإن فرض أنّها مركّبة ـ بطل بالبديهة، فمن تبصّر يعلم ويرى أنّ أمثال هذا التصوير والأفعال ما ظهر إلّا من المصوّر القديم العليم الحكيم الخبير البصير ۱ .
هر كه بيند جان من داند كه اينها كار كيست
ولهذا قال جالينوس الحكيم في آخر كتاب ألّفه للتشريح وشرح منافع أعضاء الإنسان: إنّي بعد ما عرفت هذه المنافع تنبّهت بأنّ خلق الإنسان وأعضائه ليس باتّفاق، بل روعي فيه تلك المنافع ومصالح اُخرى، وليس إلّا فعل فاعل حكيم عليم قدير خبير ۲ .
ولا يخفى على اُولي النهى أنّ مثل ذلك الحكيم العليم الخبير القدير ليس أمرا جسمانيا؛ لما حقّق في مظانّه من أنّ القوّة الجسمانيّة بل الجسماني مطلقا عديمة الشعور، وعند بعضهم ضعيفة الشعور، فليس لها شعور بأمثال هذه الحِكَم والمصالح التي لا بدّ في رعايتها من تصوّر الاُمور الكلّيّة، فهو أمر مجرّد واجب بالذات، أو ينتهي إلى مجرّد واجب بالذات، وهو المطلوب.

1.في النسخة: + «ع»، والظاهر أنّه رمز إلى «مصرع».

2.راجعت بعض مخطوطاته ولم أعثر عليه.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
468

مجرّد واجب بالذات، أو منتهٍ إلى مجرّد واجب بالذات، وهو المراد.
فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن يكون الصور النوعيّة حالّةً في المادّة الاُولى بالذات لا بتوسّط الصور الاتّصاليّة كما جوّز بعضهم؟ فحينئذٍ يجوز أن يكون علّة الطبيعة الكلّيّة الصور الاتّصاليّة، ولا يلزم أن يكون القابل فاعلاً لما يقبله، والقول بأنّ هذا الاحتمال خلاف ما ذهب إليه الجمهور لا ينجح بل لا بدّ لنفيه من دليل.
قلنا: الصورة الاتّصاليّة ممكنة لوجوه مضت، ولوجوه اُخر أيضا ذكرت في موضعها، فننقل الكلام إلى علّتها، فيتسلسل، أو ينتهي إلى مجرّد واجب، وهو المطلوب؛ فتأمّل.

المنهج السادس

مقدّمة: قد علم بالتجربة بوجه لا يبقى فيه ريب أنّ لأجزاء الفلك الأعظم المحيط ـ من البروج والدرجات والحدود والوجوه والبيوت والأشراف ـ خواصَّ مختلفةً متباينة جدّا، وذلك الاختلاف ليس باعتبار الثوابت المحاذية لها على ما يتوهّم؛ لأنّ خواصّ الدرجات والحدود والبيوت والأشراف اُمور ثابتة غير منتقلة بانتقال الثوابت على ما هو المشاهد في هذا الزمان من انتقال الثوابت عن مواضعها مع بقاء خواصّ البروج والدرجات والحدود على نحوٍ ذكرها القدماء كالبطليموس مثلاً بحالها، فهو إمّا لأجل تركّب ذلك الفلك المحيط من أجزاء مختلفة، مختلفة الآثار، وإمّا لأجل أجرام مختلفة مرتكزة كالكواكب والتداوير مضيئة لم يظهر للحواسّ، أو غير مضيئة. وبالجملة، لاختلاف صور نوعيّة كوكبيّة، أو فلكيّة، أو غيرها، أو لاختلاف أعراض فيها، أو لتعلّق مجرّدات بها.
فنقول: على كلّ تقدير من تلك التقادير لا بدّ من واجب بالذات؛ لاستحالة الدور والتسلسل. وأمّا على التقدير الرابع فالأمر أظهر؛ لأنّ في تلك المجرّدات إن كان واجبا فهو المطلوب، وإلّا يجب أن ينتهي إلى مجرّد واجب بالذات؛ فتدبّر.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125400
صفحه از 739
پرینت  ارسال به