471
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

بالأسباب الطبيعيّة من الأوضاع الفلكيّة والاستعدادات المادّيّة، فتكون من القسم الأوّل لا الثاني، هذا خلف، فلا بدّ أن يكون لها مبدأ آخر غير تلك المبادئ.
ولكون ۱ تلك الاُمور الحادثة مشابهة للاُمور الحادثة في أبداننا في الحدوث لا على المجرى الطبيعي، ولا عن الأسباب المتقدّمة من الاستعدادات، بل عن مبادئ نفسانيّة يشبه أن يكون مبدؤها نفسا للعالم بجملته وكلّيّته وهي نفس الكلّ؛ فإنّ حدوث تلك الحوادث شبيهة بحدوث اُمور غريبة نادرة في أبداننا عن مبادئ نفسانيّة لا على المجرى الطبيعي، فإنّه كما أنّ من شأن أبداننا أن تحدث فيها حرارة، أو برودة وحركة وسكون على مقتضى الاُمور الطبيعيّة، ويكون ذلك متولّدا عن أسباب بعد أسباب في مدّة محدودة، فقد يحدث فيها لا عن أسباب طبيعيّة بل عن توهّمات نفسانيّة كالغضب فإنّه يُحدِث حرارة في الأعضاء ليس سببها طبيعيّة، والخوف فإنّه يُحدث برودة في الأعضاء ليس سببها طبيعيّة، وكذلك الخيال الشهواني يحرّك أعضاء وإن لم يكن عن امتلاء طبيعي، ويحدث ريحا وإن لم يكن ذلك عن أسباب متقدّمة طبيعيّة.
والدليل على ذلك أنّ هذه كلّها يحدث عمّا ذكرنا في وقت لو لم يكن ما ذكرناه لم يحدث، فكذلك حال نفس العالم بجملته عند بدنه، فهلاك بعض الأشرار المتغلّبة إذا كثر فيه الفساد، وحدوث نار، أو زلزلة من غير الأسباب المعتادة، ونزول المطر عند شدّة حاجة الخلق إليه ونفع البرّ، وبالجملة الاُمور الحادثة في العالم لا عن الأسباب المتقدّمة على المجرى الطبيعي الشبيهة بالصادرة عن المبادئ النفسانيّة في أبداننا إنّما صدرت وحدثت عن نفس العالم بجملته، لمشابهة تلك الاُمور مع الاُمور الحادثة في أبداننا لا على المجرى الطبيعي، بل عن المبادئ النفسانيّة مشابهة تامّة، فللعالم بجميع أجزائه من الأفلاك والعناصر نفس كلّيّة هي مبدأ أمثال تلك الاُمور.

1.كذا. وفي العبارة خلل، ولم يذكر «ثانيهما».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
470

بل نقول: كلّ من يتأمّل في الأفعال المنسوبة إلى كثير من القوى الإنسانيّة بل الحيوانيّة أيضا كالغاذية والهاضمة والدافعة والمغيّرة الاُولى والثانية يعلم أنّها ليس إلّا فعل فاعل عليم حكيم؛ فإنّ في كيفيّة التنمية والتغذية بغذاء واحد لأعضاء مختلفة كلّ يوجّه ويميّز ۱ النافع من الضارّ ودفع الثاني ورفضه وجذب الأوّل وإمساكه وبدرقة الماء للغذاء وجريانه في المجاري للاتّصال ثمّ الرجوع والانفصال اُمور عجيبة غريبة يشهد كلّ فطرة سليمة بأنّها ما هي إلّا فعل فاعل عليم حكيم قدير خبير بوسائط ظاهريّة وأسباب عادية لحِكَم خفيّة؛ ولهذا نسب الإشراقيون تلك الأفعال إلى أرباب الأنواع وجعلوها من أدلّة وجودها.
ولا يخفى على اُولي النهى أنّ ذلك العليم الخبير ليس إلّا مجرّدا واجبا بالذات، أو منتهيا ۲ إلى مجرّد واجب بالذات؛ فتأمّل.

المنهج الثامن

مبنيّ على رأي بعض الحكماء من أنّ للعالم الجسماني بجميع أجزائه من الأفلاك والعناصر نفسا كلّيّة متعلّقة بالكلّ. واستدلّوا على ذلك بحجّة حدسيّة، تقريرها أنّ الاُمور الحادثة في هذا العالم ـ على ما يشهد به التبليغ والتفحّص ـ قسمان:
أحدهما: الاُمور الحادثة لا عن الأسباب الطبيعيّة وعلى المجرى الطبيعي من الاستعدادات السابقة والأوضاع الفلكيّة، كهلاك بعض الظلمة والأشرار المتغلّبة إذا أكثر الفساد، وانتعاش الأخيار وبقاء أهل الخير والصلاح والسداد، وتأثير دعاء المظلوم في دفعه ونفع البرّ ونزول الأمطار في وقت شدّة الحاجة إليها وأمثالها ممّا يقع عند اضطرار الناس فجأة لا عن أسباب مقدّمة، وأمثال تلك الاُمور لا يمكن أن تستند ۳ إلى الواجب والعقول الفعّالة، وإلّا يلزم صدور الكثير عن الواحد، ولا إلى النفوس الفلكيّة، وإلّا لكانت حادثة

1.في النسخة: «تميز».

2.في النسخة: «مجرّد واجب بالذات أو منته».

3.في النسخة: «يستند».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125420
صفحه از 739
پرینت  ارسال به