بل نقول: كلّ من يتأمّل في الأفعال المنسوبة إلى كثير من القوى الإنسانيّة بل الحيوانيّة أيضا كالغاذية والهاضمة والدافعة والمغيّرة الاُولى والثانية يعلم أنّها ليس إلّا فعل فاعل عليم حكيم؛ فإنّ في كيفيّة التنمية والتغذية بغذاء واحد لأعضاء مختلفة كلّ يوجّه ويميّز ۱ النافع من الضارّ ودفع الثاني ورفضه وجذب الأوّل وإمساكه وبدرقة الماء للغذاء وجريانه في المجاري للاتّصال ثمّ الرجوع والانفصال اُمور عجيبة غريبة يشهد كلّ فطرة سليمة بأنّها ما هي إلّا فعل فاعل عليم حكيم قدير خبير بوسائط ظاهريّة وأسباب عادية لحِكَم خفيّة؛ ولهذا نسب الإشراقيون تلك الأفعال إلى أرباب الأنواع وجعلوها من أدلّة وجودها.
ولا يخفى على اُولي النهى أنّ ذلك العليم الخبير ليس إلّا مجرّدا واجبا بالذات، أو منتهيا ۲ إلى مجرّد واجب بالذات؛ فتأمّل.
المنهج الثامن
مبنيّ على رأي بعض الحكماء من أنّ للعالم الجسماني بجميع أجزائه من الأفلاك والعناصر نفسا كلّيّة متعلّقة بالكلّ. واستدلّوا على ذلك بحجّة حدسيّة، تقريرها أنّ الاُمور الحادثة في هذا العالم ـ على ما يشهد به التبليغ والتفحّص ـ قسمان:
أحدهما: الاُمور الحادثة لا عن الأسباب الطبيعيّة وعلى المجرى الطبيعي من الاستعدادات السابقة والأوضاع الفلكيّة، كهلاك بعض الظلمة والأشرار المتغلّبة إذا أكثر الفساد، وانتعاش الأخيار وبقاء أهل الخير والصلاح والسداد، وتأثير دعاء المظلوم في دفعه ونفع البرّ ونزول الأمطار في وقت شدّة الحاجة إليها وأمثالها ممّا يقع عند اضطرار الناس فجأة لا عن أسباب مقدّمة، وأمثال تلك الاُمور لا يمكن أن تستند ۳ إلى الواجب والعقول الفعّالة، وإلّا يلزم صدور الكثير عن الواحد، ولا إلى النفوس الفلكيّة، وإلّا لكانت حادثة