475
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

منها أولى بالإمكان والاحتياج إلى العلّة، وإذا كانت تلك النفوس المجرّدة مع كونها حيّة بالذات تقصر عن إيجاد الجسم، وهو ظاهر لمن يراجع وجدانه، فكيف لا يقصر الجسم الذي هو جوهر ميّت عن إيجاد جسم، فالأجسام كلّها ممكنة معلولة لأمر مجرّد هو أعلى وأشرف من النفوس الإنسيّة، وهو إمّا واجب بالذات، أو منتهٍ إلى مجرّد واجب بالذات، وهوالمطلوب.
وهذا الوجه يحتاج إلى معاضدة حدس؛ فتحدّس.

المنهج الحادي عشر

اعلم أنّ للأجسام لوازم لا تنفكّ عنها في مرتبة من مراتب الوجود كالوضع والحيّز، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ الجسم في أيّ مرتبة فرض لا بدّ له من وضع وحيّز ولا يخلو عنهما في شيء من مراتب الوجود، وكذا كلّ جسماني منطبع فيه بالضرورة.
فإذا عرفت هذه نقول: علّة تلك اللوازم ليست نفس ذلك الجسم ولا جسماني منطبع فيه صورة كانت أو غيرها، وإلّا لتقدّم ذلك الجسم، أو الجسماني على تلك اللوازم بالذات، ففي المرتبة المتقدّمة يتجرّد ذلك الجسم، أو الجسماني عن هذه اللوازم بالضرورة، هذا خلف، وعلّتها ليست جسما ولا جسمانيا آخر خارجا عن ذلك الجسم؛ لأنّا نعلم ضرورة أنّ تلك اللوازم منبعثة حاصلة من نفس ذلك الجسم لا من خارج، وكلّما زال شيء منها بقاسرٍ عادت بذات ذلك الجسم وطباعه لا بأمر خارج، فعلّتها مجرّد ۱ مرتبط بذلك الجسم مدبّر له مخصّص معيّن لهذه اللوازم دون غيرها في ذلك الجسم دون غيره، فلكلّ جسم نفس مجرّد كما ذهب إليه جمع من المحقّقين، ونطق به الكلام المجيد حيث قال اللّه تعالى في محكم كتابه: «وَإن مِنْ شَيءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحِمْدِهِ۲»۳ إلّا أنّ شعور بعض النفوس ضعيف، وبعضها

1.كذا. والصواب ظاهرا : «مجرّدة»، وكذا الأوصاف التي تذكر لها.

2.في النسخة: «وما من شيء إلّا يسبّح بحمده ويقدّس له».

3.الإسراء (۱۷): ۴۴.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
474

الموجودات ـ التي يمكن أن يقع على خلاف ما هو عليه ـ ترجّح بلا مرجّح بالضرورة، بخلاف ما إذا انتهى كلّ موجود من تلك الموجودات إلى علّة لا يتصوّر أن يقع على خلاف ما هي عليه، فيمتنع أن يكون علّة إلّا لأمر معيّن على وجه مخصوص، أو اُمور معيّنة على وجوه مخصوصة؛ فإنّ كلّاً من تلك الموجودات على هذا التقدير لا يمكن أن يكون إلّا على وجه اقتضته علّته، فلا يلزم ترجّح بلا مرجّح أصلاً كما لا يخفى. وتلك العلّة ـ التي لا يمكن أن تقع على خلاف ما هي عليه ـ مجرّدة، فهي إمّا واجبة بالذات، أو منتهية إلى المجرّد الواجب بالذات، وهو المطلوب. واستبان من ذلك أنّ كلّ موجود يمكن أن يقع على خلاف ما هو عليه فهو ممكن، فالعالم الجسماني بجميع أجزائه ممكن، والواجب بالذات يجب أن لا يمكن، بل لا يتصوّر أن يقع على خلاف ما هو عليه في الواقع؛ فتأمّل تعرف.
وأقول: استبان أيضا من هذا الدليل أنّ وجود الممكنات على غير الوجه الذي وقعت عليه ـ سواء فرض أنّه أتمّ من ذلك الوجه الواقع أو أنقص ـ محال ممتنع بالنظر إلى نفس الأمر والواقع وإن كان ممكنا بحسب ذواتها؛ لأنّ العلّة لا يمكن أن يوجد منها أيّ معلول اتّفق، بل لكلّ علّة معلول خاصّ يناسبه، والعلّة الأوّليّة ـ التي هي واجب بالذات، ولا يتصوّر وقوعها على خلاف ما هي عليه من جميع الوجوه ـ هي التي اقتضت وقوع تلك الممكنات على الوجوه الواقعة هي عليها، فوقوعها ۱ على غير هذه الوجوه ممتنع بالنظر إلى نفس الأمر، فيستحيل نظام آخر أصلح للعالم وأكمل من ذلك الواقع بالفعل في نفس الأمر؛ فتدبّر.

المنهج العاشر

قد بيّن أنّ النفوس الناطقة الإنسيّة مجرّدة، وهي مع تجرّدها ممكنة محتاجة إلى العلّة على ما يظهر بالرجوع إلى الوجدان كما سلف، والأجرام التي هي أخسّ وأضعف وجودا

1.أي الممكنات.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142713
صفحه از 739
پرینت  ارسال به