485
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

وثانيهما: ما ذهب إليه الحكماء وهو كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل. وقال: ذلك المعنى أعمّ من المعنى الأوّل، وحمل دخول الكبير في الصغير دخولاً لا يوجب كون الكبير صغيرا، ولا كون الصغير كبيرا في الأحاديث المذكورة جميعا على الدخول بحسب الوجود العيني، وحمل القدرة التي نفيت عن ذلك الدخول ـ كما في الحديثين المرويّين عليه السلام ـ على القدرة بالمعنى الأوّل، وحمل القدرة التي اُثبتت عليه ـ كما في هذا الحديث وفي مثله ـ على القدرة بالمعنى الثاني. وقال: إنّه تعالى إن شاء محالاً كان المحال ممكنا في نفسه وفعله؛ فإنّ صدق الشرطيّة لا ينافي استحالة الطرفين، سواء كانا محالين في نفسهما، أو لغيرهما، أو أحدهما محالاً في نفسه والآخر لغيره. ونظير هذا أنّه قيل لعالم: هل لو عذّب اللّه الأطفال كان ظالما؟ قال: لا بل كان الأطفال بالغين.
ولا يخفى أنّ هذه الشرطيّة غير صادقة في حقّ من يمكن فيه نقص من جهة من الجهات فتخصيصه عليه السلام الرؤية والعدسة بالذكر لمناسبة السؤال لا لتوقّف البيان عليه. انتهى.
ولا يذهب عليك أنّ كلّ من فسّر القدرة بهذا المعنى لا يجوز تعلّقها بالمحال، على أنّه حينئذٍ يلزم اختلال نظم الحديث؛ لأنّ ما هو مناط الجواب من بيان معنى القدرة لا أثر له فيه، وما لا دخل له فيه من ذكر الرؤية والعدسة مذكور فيمقام الجواب؛ فتأمّل. ثمّ شرح الحديث بوجه آخر حيث قال:
إنّه عليه السلام عرف أنّ مقصود الدَيَصاني ليس ما يفهم من ظاهر اللفظ؛ لأنّ كونه محالاً في نفسه ظاهر على مثله، وإنّما مقصوده طلب نظير ذلك كما يكون في الألغاز والأحاجي وهي اُغلوطة يتعاطاها الناس بينهم للامتحان، فالجواب حينئذٍ أنّه تعالى قادر على أن يخلق كالناظر جسما على قدر البيضة يرى جميع الأجسام الموجودة الآن دفعة واحدة. انتهى.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
484

الموصوف بالمقدار الصغير بنحو الوجود العيني مع عدم تقدّر القوّة الحاسّة في ذاتها بمقدار أصلاً، ولا استحالة فيه؛ إذ كون الصورة الكبيرة في الحاسّة بالوجود الظلّي لا يوجب اتّصاف مادّتها ومحلّها ۱ بالمقدار الكبير، بل إنّما يوجب هذا الاتّصاف حصولَ المقدار الكبير فيها بالوجود العيني.
وهذا يدلّ على أنّ الإبصار بانطباع صورة المبصَر في الحاسّة ووجودها فيها ۲
وجودا ظلّيا كما هو مذهب المشّائين، لا بخروج الشعاع كما هو رأي الإشراقيين؛ فتدبّر.
والدليل على أنّ منظور السائل ما يشمل هذا النحو من الدخول، ولم يكن نظره مقصورا على الوجود العيني أنّه بعد ما أجاب عليه السلام بقدرته سبحانه عليه وصدور مثل ذلك عنه أصغاه السائل بسمع القبول، ولم يراجع، ولم يقل: مرادي الدخول بحسب الوجود العيني، والدخول في الحاسّة ليس من هذا القبيل.
ومثل هذه الرواية ما رواه ابن بابويه في كتاب التوحيد بإسناده عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: جاء رجل إلى الرضا عليه السلام فقال: هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال: «نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك وهي أقلّ من البيضة؛ لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء أعماك عنها ۳ » وفي قوله عليه السلام : «ولو شاء أعماك عنها» دلالة على أنّ حصولها في عين المخاطب بقدرته وفعله تعالى؛ لأنّه متمكّن من هذا ومن تركه حيث لو شاء أعماه عنها؛ فتدبّر.
قال بعض الأعلام في هذا المقام ما ملخّصه:
إنّ للقدرة معنيين:
أحدهما: ما ذهب إليه المتكلّمون وهو صحّة الفعل والترك. وقال: ذلك مناط المحمدة واللائمة.

1.أي مادّة الحاسّة ومحلّ الحاسّة.

2.أي في الحاسّة.

3.التوحيد، ص ۱۳۰، باب ۹، ح ۱۱؛ بحار الأنوار، ج ۴، ص ۱۴۳، ح ۱۲.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 148543
صفحه از 739
پرینت  ارسال به