وثانيهما: ما ذهب إليه الحكماء وهو كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل. وقال: ذلك المعنى أعمّ من المعنى الأوّل، وحمل دخول الكبير في الصغير دخولاً لا يوجب كون الكبير صغيرا، ولا كون الصغير كبيرا في الأحاديث المذكورة جميعا على الدخول بحسب الوجود العيني، وحمل القدرة التي نفيت عن ذلك الدخول ـ كما في الحديثين المرويّين عليه السلام ـ على القدرة بالمعنى الأوّل، وحمل القدرة التي اُثبتت عليه ـ كما في هذا الحديث وفي مثله ـ على القدرة بالمعنى الثاني. وقال: إنّه تعالى إن شاء محالاً كان المحال ممكنا في نفسه وفعله؛ فإنّ صدق الشرطيّة لا ينافي استحالة الطرفين، سواء كانا محالين في نفسهما، أو لغيرهما، أو أحدهما محالاً في نفسه والآخر لغيره. ونظير هذا أنّه قيل لعالم: هل لو عذّب اللّه الأطفال كان ظالما؟ قال: لا بل كان الأطفال بالغين.
ولا يخفى أنّ هذه الشرطيّة غير صادقة في حقّ من يمكن فيه نقص من جهة من الجهات فتخصيصه عليه السلام الرؤية والعدسة بالذكر لمناسبة السؤال لا لتوقّف البيان عليه. انتهى.
ولا يذهب عليك أنّ كلّ من فسّر القدرة بهذا المعنى لا يجوز تعلّقها بالمحال، على أنّه حينئذٍ يلزم اختلال نظم الحديث؛ لأنّ ما هو مناط الجواب من بيان معنى القدرة لا أثر له فيه، وما لا دخل له فيه من ذكر الرؤية والعدسة مذكور فيمقام الجواب؛ فتأمّل. ثمّ شرح الحديث بوجه آخر حيث قال:
إنّه عليه السلام عرف أنّ مقصود الدَيَصاني ليس ما يفهم من ظاهر اللفظ؛ لأنّ كونه محالاً في نفسه ظاهر على مثله، وإنّما مقصوده طلب نظير ذلك كما يكون في الألغاز والأحاجي وهي اُغلوطة يتعاطاها الناس بينهم للامتحان، فالجواب حينئذٍ أنّه تعالى قادر على أن يخلق كالناظر جسما على قدر البيضة يرى جميع الأجسام الموجودة الآن دفعة واحدة. انتهى.