۰.فأكَبَّ هشامٌ عليه وقَبَّلَ يَدَيْهِ ورأسَه ورِجلَيْه ، وقال : حسبي يا ابن رسول اللّه ، وانصَرَفَ إلى منزله ؛ وغَدا عليه الدَّيَصانيّ ، فقال له : يا هشام ، إنّي جئتُك مُسَلِّما ولم أجِئْكَ مُتقاضيا للجواب ، فقال له هشامٌ : إن كنتَ جئتَ متقاضيا فهاك الجوابَ ، فخرج الدّيَصانيُّ عنه حتّى أتى بابَ أبي عبداللّه عليه السلام فاستأذَنَ عليه ، فأذِنَ له ، فلمّا قَعَدَ قالَ له : يا جعفر بن محمّد ، دُلَّني على معبودي فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «ما اسمُك؟» فخَرَجَ عنه ولم يُخبِرهُ باسمه ، فقال له أصحابه : كيف لم تُخْبرهُ باسمك؟ قال : لو كنتُ قلتُ له : عبدُاللّه ، كان يقول : من هذا الذي أنت له عبد ، فقالوا : له عُد إليه وقل له : يَدُلُّكَ على معبودك ولا يَسألُكَ عن اسمك ، فرَجَعَ إليه ، فقال له : يا جعفر بن محمّد ، دُلَّني على معبودي ولا تَسألْني عن اسمي فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «اجْلِسْ» وإذا غلام له صغير في كفّه بَيضَةٌ يَلعَبُ بها ، فقالَ له أبو عبداللّه عليه السلام : «ناوِلْني يا غلام البيضة» فناوَلَه إيّاها فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «يا دَيَصانيّ : هذا حِصْنٌ
وقوله: (فأكبّ هشام) يقال: كبّه، أي صرعه لوجهه فأكبّ هو، وهذا من النوادر أن يكون «فعل» متعدّيا و«أفعل» لازما. والحاصل أنّه أقبل عليه وقبّل يديه ورأسه ورجليه.
وقوله: (حسبي) أي يكفيني ذلك في الجواب عنه، ولا نحتاج إلى مزيد تفصيل.
وقوله: (وغدا عليه الدَيَصاني) أي أتاه بكرة للتبختر والتعجيز. والغدوة ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والغدو نقيض الرواح.
وزيادة «كنتَ» في قوله: (إن كنتَ جئتَ) لنقل مدخول «إن» عن الاستقبال إلى الماضي.
وقوله: (فهاك) «ها» مقصورةً اسم فعل بمعنى خُذ، ويلحق بها كاف الخطاب. و«الجواب» منصوب على المفعوليّة.
وقوله: (فخرج الدَيَصاني عنه) أي بعد سماع الجواب والعلم بأنّه تعلّمه من أبي عبداللّه عليه السلام .
وقوله: (دُلّني على معبودي) أي من عليّ عبادتُه في الواقع، أو بزعمك.
وقوله عليه السلام : (ما اسمك؟) إيناس له بالإصغاء إلى الدليل، وإشارة إلى أنّ العلم بالصانع مركوز في ذهن كلّ عاقل، وإنّما إنكار الجاحد له باللسان دون الجنان.
وقوله: (كيف لم تخبره؟) أي لِمَ لم تخبره؟