489
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.قال : فأطرَقَ مَلِيّا ، ثمَّ قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريكَ له ، وأنَّ محمّدا عبدُه ورسولُه وأنّك إمامٌ وحُجَّةٌ من اللّه على خلقه ، وأنا تائبٌ ممّا كنتُ فيه .

أن ينتهي إلى مدبّر مجرّد واجب بالذات؛ لاستحالة الدور والتسلسل، أو لوجوه اُخر قد مرّ تفصيلها، هذا.
وقوله: (فأطرق مَلِيّا) بفتح الميم وكسر اللام وتشديد الياء المثنّاة من تحت، أي طويلاً من الزمان ليتفكّر في ما ذكر، ويتعرّف الحقّ.
وإنّما أخذ عليه السلام يستدلّ من المحسوسات ـ التي لا يشكّ فيها ذو حاسّة ـ على المبدأ الأوّل في الكلام مع الزنادقة، ولم يستعمل المقدّمات الكلّيّة البرهانيّة من غير التفات إلى المحسوسات؛ لأنّهم ما كانوا يقبلون ما لا يدركون بحاسّتهم، أو لا يكون من المتقرّرات في أذهانهم، كما فيما رواه الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن عليّ بن منصور عن هشام بن الحكم أنّه دخل أبو شاكر الدَيَصاني على أبي عبد اللّه عليه السلام ثمّ قال: ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال أبو عبد اللّه : «نستدلّ عليه بأقرب الأشياء» وقال: وما هو؟ قال: فدعا أبو عبداللّه عليه السلام ببيضة فوضعها على راحته فقال: «هذا حصن ملموم داخله غِرْقِئٌ رقيق نظيف، فيه ۱ فضّة سائلة وذهبة مائعة، ثمّ تنفلق عن مثل الطاووس، أدخلها شيء؟» قال: لا، قال: «فهذا الدليل على حدوث العالم».
قال: أخبرتَ فأوجزتَ، وقلتَ فأحسنتَ، وقد علمتُ أنّا لا نقبل إلّا ما أدركناه بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو شممناه بمناخرنا، أو أذقناه بأفواهنا، أو لمسناه بأكفّنا، أو يصوّر في القلوب بيانا، أو استنبطه بالروايات ۲ إيقانا.
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «ذكرت الحواسّ الخمس وهي لا تنفع شيئا بغير دليل، كما لا يُقطع

1.في المصدر: «لطيف به». وفي الأمالي والإرشاد: «تطيف به».

2.في المصدر: «الرويات». وفي بعضه نسخه: «الروايات».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
488

۰.مُصلِحٌ فَيُخْبِرَ عن صلاحها ، ولا دَخَلَ فيها مُفسِدٌ فَيُخْبِرَ عن فسادها ، لا يُدْرَى للذَّكَر خُلِقَت ، أم للأُنثى ، تَنْفَلِقُ عن مثل ألوان الطواويسِ ، أترى لها مُدَبِّرا؟» .........

من الأجسام والجسمانيات التي زعمت الزنادقة بانحصار الموجود فيها يكون مصلحها وحافظها في زمان صلاحها بحيث لا يختلط بسببه شيء من الذهبة المائعة بالفضّة الذائبة وبالعكس (فيُخْبِرَ عن صلاحها) ويدلّ على أنّ صلاحها معه ولم يدخل فيها مُفْسِدٌ من الأجسام والجسمانيات عند فساد صورتي الذهبة المائعة والفضّة الذائبة، وحدوث صور اُخرى حتّى ينتهي إلى صورة الفرخ، وتنفلق عن مثل ألوان الطواويس (فيخبر عن فسادها) ويدلّ على أنّ فسادها معه (لا يُدرى أللذكر خلقت أم للاُنثى؟) لتشابهها وتشابه أجزاء كلّ واحد من جزئها.
وقوله عليه السلام : (أترى له مدبّرا؟) استفهام تقريري؛ يعني ظاهر أنّ تلك الحِكَم والمصالح والأحكام والإتقان لا يمكن أن يصدر عن الطبع الذي لا شعور له أصلاً، أو له شعور في غاية الضعف. وقد عرفت أنّها غير مستندة بشيء من الأجسام والجسمانيات الخارجة عن البيضة كالدجاجة الموكّلة بها، أو الإنسان ونحوه من المباشرين، بل له مدبّر ليس في تدبيره آلة ومباشرة وفعل علاجي، فهو مدبّر مجرّد بحت حكيم عليم خبير بصير. ومن تنبّه لما في البيضة تنبّه لما في العِلْويات والسِفْليات من الكواكب وحركاتها وأحوالها والمواليد وقواها وأفعالها وسائر ما في العالم من الإحكام والإتقان والاتّساق والانتظام والحِكَم والمصالح التي لا يشكّ معها في استنادها إلى مبدءٍ مجرّد عالم حكيم قدير خبير بما فيها قاهرٍ لما يشاء على ما يشاء، وهو الصانع الإله الحقّ الذي يجب عبادته.
فهذا الحديث كنظائره السالفة تنبيه على وجود صانع العالم، وبرهان على كونه واجب الوجود بالذات بانضمام بعض المقدّمات المطويّة التي قد اطّلع عليه الخواصّ البتّة (ظ) فهي ۱ آيات لقوم يعقلون.
وتقرير البرهان أنّ ذلك المدبّر المجرّد إن كان واجبا بالذات فهو المطلوب، وإلّا يجب

1.كتب تحتها: أي هذا الحديث ونظائره (منه عفي عنه).

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 143971
صفحه از 739
پرینت  ارسال به