499
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.أو مفترقَيْن من كلّ جهة ، فلمّا رَأيْنا الخلقَ مُنتظِما ، والفَلَكَ جاريا ، والتدبيرَ واحدا، والليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ ، دَلَّ صحّةُ الأمرِ والتدبيرِ وائتلافُ الأمر على أنَّ المدبِّرَ واحدٌ ،

والفطرة السليمة تحكم بأنّ الواحد الطبيعي ـ وإن كان ذا ۱ أجزاء مختلفة ـ إذا كان مصنوعا يكون صانعه واحدا؛ فإنّه لا يجوّز عاقل أن يكون فاعل شخص واحد من الحيوان مثلاً وموجده متعدّدا، بل يحكم حكما حتما جزما بأنّه ما صدر ذلك الشخص الواحد إلّا من فاعل واحد بالضرورة، ومن يجوّز أن يكون فاعل شخص واحد طبيعي متعدّدا، فقد خرج عن الفطرة الإنسانيّة، والعالم الجسماني ممكن بجميع أجزائه؛ لما سبق من الدلائل والبراهين، فيكون مصنوعا، له فاعل، وفاعله وموجده ومدبّره لا بدّ أن يكون واحدا؛ لأنّه على ما مرّ واحد طبيعي وحيوان واحد شخصي، فكما أنّ العقل الصريح يحكم بأنّ خالق شخص واحد من الإنسان كزيد مثلاً لا يكون متعدّدا، كذلك يحكم بأنّ خالق العالم الجسماني بأسره ـ وهو حيوان واحد شخصي ـ لا يكون متعدّدا أصلاً بل هو واحد.
لا يقال: لِمَ لا يجوز أن يكون كلّ جزء من أجزائه مصنوعا لصانع آخر، وصانع الكلّ يأخذ تلك الأجزاء وينظّمها ويربط بعضها ببعض كصانع البيت؟
لأنّا نقول: تلك الأجزاء مخلوقة بالربط والتعلّق، وبالجملة بوجه لا يحصل الارتباط بينها إلّا بوجودها كأعضاء الإنسان الواحد لا أنّ الارتباط يعرضها بعد وجودها وخلقها كأجزاء البيت. والحاصل أنّ تلك الأجزاء وجدت مرتبطة منتظمة متعلّقة بعضها ببعض لا أنّها وجدت ثمّ ارتبطت وانتظمت؛ فتأمّل.
إذا عرفت هذا فنقول: يحتمل أن يكون قوله عليه السلام : (لمّا رأينا الخلق منتظما) إلى قوله: (دلّ صحّة الأمر) إشارة إلى أنّ العالم الجسماني واحد طبيعي، وأنّه حيوان واحد شخصي، ويكون قوله عليه السلام : «دلّ صحّة الأمر» إلخ إشارة إلى أنّ صانع الواحد الطبيعي والحيوان الواحد الشخصي ومدبّره يجب أن يكون واحدا، فيجب أن يكون صانع العالم واحدا.
فإن قلت: هذا الدليل إنّما يدلّ على وحدة صانع العالم الجسماني، لا وحدة صانع

1.في النسخة: «ذي».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
498

كلّ واحد منهما مؤثّرا في بعض دون بعض بأن يكون أثر كلّ منهما مغايرا لأثر الكلّ، وحينئذٍ يلزم الترجيح بلا مرجّح، وكلاهما محالان «أو» يكونا «مفترقين من كلّ جهة» أي من كلّ جهة كانت؛ يعني أو يكونا مفترقين من أيّ جهة كانت، سواء كان الافتراق في ذاتهما أو في صفاتهما أو فيهما معا، فمعناه أنّه أو لا يكونا متّفقين من جميع الجهات، بل يكونا مفترقين في الجملة، فالحصر حاصر.
ويحتمل أن يكون معناه: أو لا يكون نسبة كلّ واحد واحد من المعلولات إلى كلّ واحد منهما متساوية، بل يكون في كلّ منهما ما يختصّ به معلوله دون معلول الآخر.
وعلى التقديرين فذلك باطل من وجهين:
أحدهما: لأنّه يلزم من تعدّده فساد العالم وخروجه عن النظام الذي هو عليه، وبطل الارتباط الذي ۱ بين أجزاء العالم، واختلّ انتظامها واتّساقها، فلم يكن بينها هذا النظام والانتظام، ولم يحصل ذلك الارتباط والاتّساق، ولم يوجد ذلك ۲ الصلاح الوحداني، بل يوجد الوضع منتشرا، والصنع متبدّدا، والرؤساء متكثّرا، ويختلّ ۳ الارتباط والسياسة التي بين أجزائه كما يشهد به الفطرة السليمة، ويحكم به الفطنة الصحيحة القويمة، ونطق به الآية الكريمة حيث قال عزّ من قال: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلّا اللّهُ لَفَسَدَتا»۴ وقد مرّ تفصيل ذلك في التنبيه الأوّل من الأصل الثاني من الهداية الإلهيّة ۵ . والتالي باطل فكذا المقدّم؛ لأنّا «لمّا رأينا الخلقَ منتظما، والفَلَكَ جاريا، والتدبيرَ واحدا، و» رأينا «الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ» في غاية الارتباط والانتظام والاتّساق «دلّ صحّةُ الأمرِ والتدبيرِ وائتلافُ الأمر على أنّ المدبِّرَ واحدٌ».
وثانيهما: لأنّه قد مرّ فيما سبق أنّ العالم الجسماني واحد طبيعي، وأنّه حيوان واحد،

1.في النسخة: «التي».

2.في النسخة: «تلك».

3.في النسخة: «ويحتمل».

4.الأنبياء (۲۱): ۲۲.

5.مرّ في ص؟؟؟

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144020
صفحه از 739
پرینت  ارسال به