۰.أو مفترقَيْن من كلّ جهة ، فلمّا رَأيْنا الخلقَ مُنتظِما ، والفَلَكَ جاريا ، والتدبيرَ واحدا، والليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ ، دَلَّ صحّةُ الأمرِ والتدبيرِ وائتلافُ الأمر على أنَّ المدبِّرَ واحدٌ ،
والفطرة السليمة تحكم بأنّ الواحد الطبيعي ـ وإن كان ذا ۱ أجزاء مختلفة ـ إذا كان مصنوعا يكون صانعه واحدا؛ فإنّه لا يجوّز عاقل أن يكون فاعل شخص واحد من الحيوان مثلاً وموجده متعدّدا، بل يحكم حكما حتما جزما بأنّه ما صدر ذلك الشخص الواحد إلّا من فاعل واحد بالضرورة، ومن يجوّز أن يكون فاعل شخص واحد طبيعي متعدّدا، فقد خرج عن الفطرة الإنسانيّة، والعالم الجسماني ممكن بجميع أجزائه؛ لما سبق من الدلائل والبراهين، فيكون مصنوعا، له فاعل، وفاعله وموجده ومدبّره لا بدّ أن يكون واحدا؛ لأنّه على ما مرّ واحد طبيعي وحيوان واحد شخصي، فكما أنّ العقل الصريح يحكم بأنّ خالق شخص واحد من الإنسان كزيد مثلاً لا يكون متعدّدا، كذلك يحكم بأنّ خالق العالم الجسماني بأسره ـ وهو حيوان واحد شخصي ـ لا يكون متعدّدا أصلاً بل هو واحد.
لا يقال: لِمَ لا يجوز أن يكون كلّ جزء من أجزائه مصنوعا لصانع آخر، وصانع الكلّ يأخذ تلك الأجزاء وينظّمها ويربط بعضها ببعض كصانع البيت؟
لأنّا نقول: تلك الأجزاء مخلوقة بالربط والتعلّق، وبالجملة بوجه لا يحصل الارتباط بينها إلّا بوجودها كأعضاء الإنسان الواحد لا أنّ الارتباط يعرضها بعد وجودها وخلقها كأجزاء البيت. والحاصل أنّ تلك الأجزاء وجدت مرتبطة منتظمة متعلّقة بعضها ببعض لا أنّها وجدت ثمّ ارتبطت وانتظمت؛ فتأمّل.
إذا عرفت هذا فنقول: يحتمل أن يكون قوله عليه السلام : (لمّا رأينا الخلق منتظما) إلى قوله: (دلّ صحّة الأمر) إشارة إلى أنّ العالم الجسماني واحد طبيعي، وأنّه حيوان واحد شخصي، ويكون قوله عليه السلام : «دلّ صحّة الأمر» إلخ إشارة إلى أنّ صانع الواحد الطبيعي والحيوان الواحد الشخصي ومدبّره يجب أن يكون واحدا، فيجب أن يكون صانع العالم واحدا.
فإن قلت: هذا الدليل إنّما يدلّ على وحدة صانع العالم الجسماني، لا وحدة صانع