كالحكم عليها بالإمكان؛ لسلب ضرورة الوجود عن الجميع لذواتها.
وأمّا ما سوى أشباه تلك الوجوه المذكورة، فلا يتصوّر فيها ذلك ضرورة، بل نقول: لو نظرنا إلى نفس مفهوم الوجود المصدري المعلوم بوجه من الوجوه بديهةً أدّانا النظر والبحث إلى أنّ حقيقته وما ينتزع منه أمر قائم بذاته هو الواجب الحقّ والوجود المطلق الذي لا يشوبه عموم ولا خصوص ولا تعدّد؛ إذ كلّ ما وجوده هذا الوجود لا يمكن أن يكون بينه وبين شيء آخر له أيضا هذا الوجود فرضا مباينةٌ أصلاً ولا تغاير، فلا يكون اثنان، بل يكون هناك ذات واحدة ووجود [واحد] ۱
.انتهى كلامه.
فتأمّل فيه.
النحو الثاني ۲ : أنّه لو كان المبدأ الأوّل الإله الحقّ الصانع للعالم اثنين، يلزم منه أن يكون العالم اثنين؛ لأنّه يجب أن يصدر عن كلّ واحد منهما عالما تامّا مشتملاً على جميع ما في هذا العالم من الحِكَم والمصالح، وإلّا فيكون كلاهما، أو أحدهما ناقصا بوجه من الوجوه بالضرورة، والنقص فيه محال كما مرّ بيانه.
ومن ذلك يلزم أن يكون العالم الجسماني اثنين، ومن [اثنينيّته يلزم] اثنينيّة الفلك الأعلى الذي يحيط كلّ واحد منه بجميع أجسام عالمه، وهما كرتان، فبالضرورة يتحقّق بينهما بُعد وفرجة واحدة لو لم تكن الكرتان متماسّتين، أو فرجتان لو كانتا متماسّتين بنقطة واحدة كما هو من شأن تماسّ الكرتين، فبالضرورة لا أقلّ من أن يكون بينهما بُعد أو فرجة، ولاستحالة الخلأ يجب أن يكون الشاغل لتلك الفرجة جسما آخر، ولوجوب استناد الجسم إلى مجرّد واجب بالذات، أو مجرّد منتهٍ إليه ـ لما مرّ مفصّلاً ـ يجب أن يكون علّته وصانعه واجبا، ويجب أن يكون ثالثَ الصانعين المفروضين؛ لأنّ ذلك الجسم خارج عن جميع مخلوقات