المرام بهذا النحو من الكلام ممّا لم يَحُم حولَه أحد من العظام.
وممّا حقّقناه تبيّن أنّ هذه المقدّمة ـ التي يتوقّف صحّة هذا الدليل عليها بهذا العموم ـ محلّ ناظر وتأمّل بل هو ممتنع، فلا يتمّ هذا الدليل أصلاً. وممّا يؤيّد ذلك أنّه لو صحّ هذا الدليل يلزم انحصار مطلق الموجود في الواجب بالذات، فإنّا نقول: فرد الموجود من حيث إنّه فرد الموجود، وبمجرّد أنّه فرده إن كان مستلزما لأن يكون واحدا معيّنا ـ أعني الواجب الأوّل ـ لا يكون غيره أصلاً، وإن لم يكن مستلزما له، كان هو بعلّة، فلم يكن واجبا بالذات، هذا خلف.
وما أفاد هذا العظيم قدس سره في دفع هذا النقض حيث قال:
وإنّي أرى في ردّ هذا الإيراد وجهين: الأوّل أنّ الموجود إذا خلّي وذاته، كان موجودا بلا سبب، وعند تحقّق غيره موجود بسبب.
فإن قيل: الموجود وفرد الموجود بمجرّد أنّه فرده يجب ويلزم أن يكون خاليا بذاته أو لا، فعلى الأوّل يكون كلّ موجود خاليا بذاته، فلم يتعدّد الموجود، وعلى الثاني كان لخلوّه بذاته سبب، فيكون للموجود بلا سبب ـ أعني الواجب بالذات ـ سببٌ.
قلنا: إنّ الخلوّ بذاته طرف عدمي من طرفي الوجود، فلا يحتاج إلى سبب.
الوجه الثاني أنّ الموجود بمجرّد أنّه موجود يجب أن يكون في أوّل وجوده حقيقة فرده وجودا بلا علّة، فيكون ذلك الفرد موجودا بلا سبب، ولا يمكن أن يكون حقيقة فردين، لما بيّن ذلك في موضعه.
منظورٌ فيه ۱ .
أمّا الوجه الأوّل، فلأنّه لمّا سلّم أنّ فرد الموجود عند الخلوّ وبشرطه يجب أن يكون بلا سبب، وقد سلّم أنّ الخلوّ غير واجب، فلا يكون ما هو واجب عنده وبشرطه واجبا أيضا بالضرورة، فلا يجب أن يكون فرد الموجود موجودا بلا سبب، بل يكون كونه كذلك