535
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

وقال هذا المحقّق أيضا في موضع آخر:
أقول ـ والتوفيق من اللّه مسؤول ـ : اعلم أنّ العقل إذا أدرك شيئا فإنّ من فطرته وجبلّته أن يخترع معنى ما في معرض البيان يشير إلى ما أدركه ويعبّر به عمّا ناله، لا اُريد البيان اللساني بل البيان النطقي العقلي. ثمّ إنّه يستعمل ذلك المعنى محاذيا لما أدركه ومحاكيا له، ومن شأن الحكاية أن يذهل عنها نفسها ويضمحلّ في البين ويتوجّه منها إلى المحكيّ، فإذا يحكم عليه بجميع أحكام المحكيّ؛ لأنّه مضمحلّ في البين والمنظور إليه المحكيّ لا غير، وتلك الأحوال أحواله، فإن استمعه المستمع من حيث ما يقوله القائل يصدّقه، وإن اتّفق له أن نظر إلى نفسها ونظر إليها بما هي ولم يضمحلّ في البين، وجد جميع الأحكام كاذبة، فهذه المفهومات مخترعات ومنتزعات، وحيث كانت لها مطابقات قصدت بها حكاياتها كانت نفس أمريات، وإلّا فلا. انتهى.
أقول: هذا الكلام دقيق حقيق بالتصديق صدر عن محصّله. وملخّصه ما ذكرنا من أنّ للاُمور الاعتباريّة الانتزاعيّة اعتبارين:
أحدهما: اعتبارها من حيث نفس مفهوماتها وبهذا الاعتبار ليست اُمورا يتّصف بها الأشياء في نفس الأمر، ولا هي تتّصف ۱ بالاُمور النفس الأمريّة إلّا باعتبار وجودها في الذهن.
وثانيهما: اعتبارها من حيث إنّها تكون ۲ آلة لملاحظة مبادئ انتزاعها ومصداقاتها، وحينئذٍ تكون منسوبة إلى نفس الأمر؛ ولهذا اشتهر أنّ تلك الاُمور إن كانت لها مبدأ انتزاع فنفس أمريّة، وإلّا فلا، فالأحكام والأحوال النفس الأمريّة ـ التي [هي] جارية على تلك الاُمور، لا باعتبار خصوص الوجود الذهني ـ لا تصدق ۳ حقيقة إلّا باعتبار مبادئ انتزاعها

1.في النسخة: «يتّصف».

2.في النسخة: «يكون». و كذا في المورد الآتي.

3.في النسخة: «لا يصدق».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
534

الحجّة الخامسة البرهان الذي تفرّد به بعض الأفاضل، وتقريره يستدعي تمهيد [مقدّمتين]:
[مقدّمة اُولى]: هي أنّ الأحكام والأحوال النفس الأمريّة الجارية على الاعتبارات العقليّة والاُمور الانتزاعيّة لا تكون ۱ في الحقيقة أحكاما وأحوالاً لتلك الاعتبارات العقليّة والاُمور الانتزاعيّة نفسها بل أحكاما وأحوالاً لمبادئ انتزاعها ومصداقاتها.
قال بعض المحقّقين من العارفين في شرحه للزوراء: العقل قد يخترع معاني يستعين بها في تفهّم أنحاء بسيطة خارجيّة، وتلك المعاني تسمّى ۲ اعتبارات منسوبةً إلى نفس الأمر؛ لأنّك إذا وقفت منها على مفهوماتها على أنّها مشيرة إلى أنفسها كانت اعتباريّة؛ لأنّها حينئذٍ طبائع معقولة يمتنع وجودها واتّصاف شيء بها كشريك الباري واجتماع النقيضين، وإن تجاوزت بها إلى ذلك النحو البسيط الخارجي الذي يشير إليه العقل بذلك المعنى يُحسَب كأنّه اضمحلّ ذلك المعنى من نحو نفسه من البين، وبقيت ناظرا إلى ذلك النحو البسيط الخارجي مستعينا به عليه كان حقّا مطابقا لنفس الأمر، وهذه الصور هي التي سمّيناها صورا انتزاعيّة ومعقولات ثانية، إلّا أنّا تكلّمنا عليها من نحو الخارج فجعلناها محاذية للطبائع الخارجيّة، ولم نجعل لها طبائع مخصوصة هي طبائعها، ولكن متى نظر إليها من نحو العقل، وجد لها طبائع مخصوصة، ووجد العقل يربط تلك الطبائع إلى الأشياء ربطَ العارض بالمعروض، كقولك: الإنسان أبيض، ولكن لا يقصد بذلك أنّ ذلك كذلك حاصل في نفس الأمر؛ فإنّه يستحيل أن يوجد طبيعة هي الشيء مثلاً عارضة لما هو شيء كما مرّ متبيّنا، ولكنّه يستعين بذلك على أداء حالة بسيطة خارجيّة، كما يستعين مثلاً بمفهوم الابتداء في تفهّم معنى «من» فينبغي أن يترك الأداء ويتجاوز إلى المؤدّى.
وإذا عرفت هذا يتبيّن لك أنّ الزائد العقلي لا يتّصف به شيء في نفس الأمر، وإنّما يصف العقل الأشياء به تفهيما، وإشارة إلى نحو بسيط خارجي.

1.في النسخة: «لا يكون».

2.في النسخة: «يسمّى».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125378
صفحه از 739
پرینت  ارسال به