مقدّمة: إنّ الحقائق لا تقتنص ۱ من قبل الإطلاقات العرفيّة فقد يطلق في العرف على معنى من المعاني لفظ يوهم ما لا يساعده البرهان بل يحكم بخلافه ونظير ذلك كثير:
منه: أنّ لفظ العلم إنّما يطلق في اللغة على ما يعبّر عنه بالفارسيّة بـ «دانستن ودانش» ومرادفاتها ۲ ممّا يوهم أنّه من قبيل النسب. ثمّ البحث المحقّق والنظر الحِكمي يقضي بأنّ حقيقته هو الصورة المجرّدة، وربّما يكون جوهرا كما في العلم بالجوهر، بل ربّما لا يكون قائما بالعالم، بل قائما بذاته كما في علم النفس وسائر المجرّدات بذواتها، بل ربّما يكون عين الواجب [كعلم الواجب] ۳ تعالى بذاته.
ومنه: أنّ الفصول الجوهريّة يعبّر عنها بألفاظ يوهم أنّها إضافات عارضة لتلك الجواهر، كما يعبّر عن فصل الإنسان بالناطق والمدرك للكلّيات، وعن فصل الحيوان بالحسّاس والمتحرّك بالإرادة، والتحقيق أنّها ليست من النسب والإضافات في شيء، بل هي جواهر؛ فإنّ جزء الجوهر لا يكون إلّا جوهرا كما تقرّر عندهم.
وبعد ذلك نمهّد مقدّمة اُخرى وهي: أنّ صدق المشتقّ على شيء لا يقتضي قيام مبدأ الاشتقاق به وإن كان عرف اللغة يوهم ذلك حتّى فسّر أهل العربيّة بما يدلّ على أمر قائم ۴ به المشتقّ منه، وهو بمعزل عن التحقيق؛ فإنّ صدق الحدّاد إنّما هو بسبب كون الحديد موضوع صناعته على ما صرّح به الشيخ وغيره، وصدق المشمّس على الماء مستند إلى نسبة الماء إلى الشمس بتسخينه ۵ بسبب مقابلتها.