553
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

الجسمين والبُعدين الحادثين تلازم، وإلّا يلزم الخلأ، فلا بدّ أن ينتهي علّتهما إلى واجب واحد، وهو المطلوب؛ فتأمّل.
الدليل الثاني: مقدّمة [اُولى]: الواجب بالذات يجب أن يكون موجودا بحتا لا شيئا موجودا؛ إذ الواجب الحقّ لا بدّ أن يكون نفس ذاته وحقيقته من حيث هي حيثيّة انتزاع الوجود والموجوديّة، فهو الذي يكون نفس ذاته بذاته حيثيّةً مصحّحةً لانتزاع الوجود، ومصداقا لصدق الموجود عليها؛ بخلاف الممكن؛ فإنّ نفس ذاته التي هي مهيّته ليست حيثيّة مصحّحة لانتزاع الوجود، والحيثيّة المصحّحة مغايرة لها مكتسبة من الفاعل على ما صرّح به المحقّق الدواني، فالممكن شيء موجود، والواجب موجود بحت؛ إذ نفس حقيقته ۱ من حيث هي مصحّحة لانتزاع الوجود، ومصداق لصدق الموجود وهو معرّى عن ملابسة ما بالقوّة والإمكان؛ أعني المهيّة.
والحاصل أنّ الوجود والموجود كما يطلق على هذين المفهومين المعلومين بالبديهة كذلك يطلق على حيثيّة انتزاعهما ومصداق صدقهما، بل هي الوجود الحقيقي حقيقة. والمراد بالمهيّة ما يكون في حدّ ذاته معرّى عن تلك الحيثيّة؛ أعني حيثيّة انتزاع الوجود، فهي بإزاء الوجود بهذا المعنى ومقابل له. ولمّا كان الواجب نفس ذاته من حيث هي هي حيثيّة صحّة انتزاع الوجود، ومصداقا لصدق الموجود لا يكون له مهيّة بهذا المعنى، بل يكون موجودا بحتا؛ إذ ليس نفس ذاته إلّا الوجود الحقيقي؛ أعني حيثيّة انتزاع الوجود، بخلاف الممكن؛ فإنّه مشتمل على ما هو معرّى في ذاته بدون اعتبار الغير عن حيثيّة انتزاع الوجود، وعلى تلك الحيثيّة باعتبار الفاعل، فإنّها ۲
مكتسبة من الفاعل على ما تقدّم، فهو مهيّة موجودة، والواجب موجود بحت.
مقدّمة ثانية: الموجود البحت لا يكون مختلفا بالحقيقة أصلاً، فإنّ الموجود البحت كما

1.في النسخة: «حقيقيّة».

2.أي تلك الحيثيّة.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
552

وبعد تمهيد تلك المقدّمات نقول: لمّا كان بين الأجسام المختلفة التي في هذا العالم تلازم لا بدّ أن يكون بينها علاقة علّيّة؛ لما مرّ، ولا يمكن أن يكون بعضها علّة لبعض؛ لما مرّ في المقدّمة الثالثة، فلا بدّ أن يكون كلّها معلولاً لعلّة واحدة مجرّدة بجهات متلازمة، أو مجرّدات متلازمة، ولا يمكن انتهاء الاُمور المتلازمة إلى الواجبين؛ لما مرّ في المقدّمة الثانية من أنّه لا تلازم بين الواجبين، ولا بدّ من التلازم في علل الاُمور المتلازمة، فمنتهى علل أجسام هذا العالم واجب مجرّد واحد، وهو المطلوب.
بل نقول: التلازم واللزوم بين الاُمور الجسمانيّة ـ من الأعراض والصور الجوهريّة ومحالّها ـ والمجرّدات التي تعلّقت بهذه الأجسام والجسمانيّات على تقدير وجودها؛ لما بيّن [في ]محلّه يلزم أن يكون منتهى سلسلة ممكنات هذا العالم كلّها إلى واجب واحد، بل لو فرض عالم جسماني آخر يجب انتهاء الكلّ أيضا إلى الواجب الواحد؛ فتدبّر.
فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن لا يكون أجسام هذا العالم مختلفةَ الذوات متعدّدة، بل يكون بُعدا واحدا مصوّرا بصور مختلفة متباينة، فيكون هذا العالم جسما واحدا، والصور متعدّدة مختلفة.
قلنا: هذا الجسم المتّصل الواحد والبُعد الجوهري مركّب من أجزاء متلازمة، هي الهيولى والصورة الجسميّة على رأي المشّائين وهذا الدليل مبنيّ عليه، فلا بدّ أن ينتهي علّته وعلل أجزائه إلى واجب مجرّد واحد، وأيضا بين هذا الجسم المتّصل الواحد وبين الصور المتعدّدة المختلفة الحاصلة فيه لزوم بل تلازم، فلا بدّ أن ينتهي عللها إلى واجب مجرّد.
على أنّه لا شكّ في وقوع الانفصال بين أجزاء هذا الجسم المتّصل، وعلى هذا التقدير لا يكون ذلك الانفصال واردا على مفصّل بين أجزاء هذا الجسم فطرة؛ لأنّه خلاف المفروض من وحدة الجسم والبُعد الجوهري، فالانفصالُ طارئٌ على هذا البُعد المتّصل، وبطريانه ينعدم هذا الجسم الواحد، ويحدث جسمان متّصلان وبُعدان آخران، وبين هذين

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126252
صفحه از 739
پرینت  ارسال به