555
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

والإيجاد فرع الوجود، فيكون إيجاده بغيره، فلم يكن مستقلّاً في الإيجاد، فلم يكن شريكا لموجده ومبقيه وحافظه وممكّنه عن التأثير، بل يكون بمنزلة آلة لموجده ومن يجعله بحيث يؤثّر ويمكّنه من التأثير بتهيئة أسباب تأثيره وفعله، مثلاً يقال: المنشار شريك للنجّار في النشر، والقلم شريك للكاتب في الكتابة، بل نقول: إذا حصل من مؤثّر وليكن «أ» أثر وليكن «ب» ثمّ حصل من «ب» أثر آخر وليكن «ج» فمن تبصّر وتفطّن بأنّ تأثير العلّة في المعلول حال وجود المعلول، وأنّ الأثر متقوّم متحصّل في تمام زمان وجوده بعلّته ومؤثّره، ولم يتقوّم آنا من غير مؤثّره، فتفطّن وتبصّر بأنّ «ج» إنّما حصل ووجد من «أ» حقيقة، وأنّه متقوّمة ومتحصّلة بالمؤثّر الأوّل وهو «أ».
ومن هذا القبيل إذا أشرقت الشمس على موضع، وأنار بنورها شيئا، ثمّ حصل من ذلك النور نور آخر أو حرارة، فكلّ عاقل بصير يعلم أنّ النور الثاني والحرارة الثانية من الشمس، ويسندهما إليها.
فأثر الممكن المفروض من الواجب المؤثّر في الممكن حقيقة، فالكلّ منه بل الكلّ من عنده، فلا يتعدّد على هذا التقدير أيضا الإله الخالق للعالم، فثبت بما ذكرنا ما هو المطلوب؛ فتأمّل.
الدليل الثالث: ما أشار إليه قوله تعالى: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلّا اللّهُ لَفَسَدَتا»۱ فإنّه لو كان في السماوات والأرض إلهان واجبا الوجود بالذات، فإمّا أن يوجد ويؤثّر كلّ منهما في السماوات والأرض، وإمّا أن يوجد ويؤثّر أحدهما في السماء، والآخر في الأرض. وعلى الأوّل يلزم توارد العلّتين المستقلّتين ۲ على معلول واحد شخصي. وعلى الثاني يلزم الترجيح بلا مرجّح.

1.الأنبياء (۲۱): ۲۲.

2.في النسخة: «المستقلّين».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
554

مرّ ما يكون نفس حقيقته من حيث هي هي ومحوضة ذاته وصرافتها حيثيّةً لانتزاع الوجود، ومصداقا لصدق الموجود، ومن البيّن أنّ نفس الاُمور المختلفة المتباينة من غير اشتراك في ذاتي لا تكون ۱ حيثيّة انتزاع معنى واحد، وهو الوجود والموجوديّة، ولا يكون اُمور متباينة غير مشتركة في ذاتي من حيث إنّها متباينة مصداقا لصدق معنى واحد قطعا على ما يشهد به الفطرة السليمة، وكيف تختلف حيثيّة انتزاع معنى واحد كما حقّقنا ذلك فيما سبق.
وبعد تمهيد هاتين المقدّمتين نقول: لو تكثّر الواجب الحقّ المؤثّر في العالم، فيكون له أفراد متعدّدة يكون كلّها موجودا بحتا، والموجود البحت على ما مرّ لا يكون مختلفا بالحقيقة، فيكون الجميع متماثلة متوافقة الحقيقة، فلو كانت كلّها مؤثّرة، وآثار الاُمور المتشابهة متشابهة، يلزم أن يصدر عن كلّ منها ما صدر عن مثله، فيجب أن يكون لهذا العالم أمثال متشابهة بعدّة الواجبات المتماثلة، لكنّ العالم واحد، فالواجب المؤثّر في العالم واحد.
فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن يكون الإله الخالق المتعدّد المؤثّر في العالم واجبا وممكنا؟ ۲ وليس فيما ذكرت ما يدلّ على بطلان هذا الاحتمال.
قلنا: هذا الممكن الخالق المؤثّر لا يمكن أن يستند إلى ذلك الواجب الواحد؛ فإنّه لو استند إلى واجب آخر، يلزم ما مرّ من تعدّد العالم الجسماني، وإذا كان مستندا إلى ذلك الواجب، يكون ذلك الممكن غير مستقلّ في فعله وتأثيره، فإنّه إذا فرض فاعلان يكون أسباب فعل أحدهما من الآخر، لم يكونا شريكين في الفعل، بل يكون الذي تهيّأ أسباب فعله من الآخر واسطة وآلة للآخر، ولا يخفى أنّ وجود الفاعل من أسباب فعله وكذا قدرته وتمكّنه من الفعل، ولأنّ الممكن لا يؤثّر بإمكانه، بل لا يؤثّر إلّا بعد أن يكون واجبا، فإذاً كان غيره موجبا موجدا له، وتأثير العلّة في حال وجود المعلول، ووجوده منوط مربوط بعلّته،

1.في النسخة: «لا يكون».

2.في النسخة: «واجب و ممكن».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125427
صفحه از 739
پرینت  ارسال به