563
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.ولا يُجَسُّ ، ولا يُدرَكُ بالحواسّ الخمس ، لا تُدْرِكُهُ الأوهامُ ، ولا تَنْقُصُه الدُّهورُ ، ولا تُغَيِّرُهُ الأزمانُ» .

وقوله عليه السلام : (ولا يُجَسُّ) أي لا يمكن مسّه باليد. قال في القاموس: «الجسّ: المسّ باليد كالإجساس ۱ ».
وقوله عليه السلام : (ولا يُدرَكُ بالحواسّ الخمس) أي الظاهرة؛ لتجرّده وخلوّه عن الكيفيّات مطلقا لا سيّما المحسوسة، فهذا من قبيل التعميم بعد التخصيص.
ثمّ نفى كونه تعالى مدركا بالحواسّ الخمس الباطنيّة بقوله تعالى: «لا تدركه الأوهام» لأنّ الوهم رئيس الحواسّ الباطنيّة يدرك بعض الجزئيّات بواسطة بعض الحواسّ كالصور الجزئيّة بوساطة الحسّ المشترك، ويدرك المعاني الجزئيّة المادّيّة بلا واسطة. فمن نفي كونه مدركا بالوهم، لزم كونه غير مدرك بشيء من الحواسّ الباطنيّة. ۲
وقوله عليه السلام : (ولا ينقصه الدهور) أي بالهرم وضعف القوى ونحو ذلك كما يقع في الإنسان وسائر الحيوانات بمرّ الدهور (ولا يغيّره الأزمان) بحصول الأوصاف الخالية عنها فيه، أو بزوال الأوصاف الحاصلة فيه عنه. ۳
قال بعض الفضلاء ۴ في شرح هذا المقام:
أراد عليه السلام تنزيهه عن النقص والتغيّر، فقال: «ولا ينقصه الدهور، ولا يغيّره الأزمان» ولمّا كان الدهر ظرف الثابت بالنسبة إلى المتغيّر، ويعبّر عنه بنسبة الثابت إلى المتغيّر، والزمان ظرفَ المتغيّر بما هو متغيّر، ويعبّر عنه بنسبة المتغيّر إلى المتغيّر، وكلّ ما في الدهر يتّصف بالنقص، أي يخلو عمّا يقبله ويستحقّه، أو يتّصف بما لا يليق به، والأحرى به الخلوّ عنه؛ لكونه موضوعا للمتغيّر، وكلّ ما في الزمان واقع

1.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۲۹۶ (جسّ) وفيه: «كالاجتساس».

2.بعده في المرآة: «مع أنّه في اللغة يطلق الوهم على جميع الحواسّ الباطنة، بل على ما يعمّ العقل أيضا أحيانا».

3.نقل هذه الحاشية بعنوان «قيل» المجلسي في مرآة العقول، ج ۱، ص ۲۷۵ ـ ۲۷۶ من قوله: «حقيقة الشيئية عين ذاته تعالى» إلى هنا مع حذف كلام بعض الفضلاء.

4.هو الميرزا رفيعا النائيني.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
562

۰.قال هشام : فكان من سؤال الزنديق أن قال : فما الدليلُ عليه؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «وجودُ الأفاعيل دَلَّتْ على أنَّ صانعا صَنَعَها ، ألاترى أنّك إذا نظرتَ إلى بناءٍ مُشَيَّدٍ مَبْنِيٍّ ، علمتَ أنّ له بانيا ، وإن كنتَ لم تَرَ البانِيَ ولم تُشاهِدْهُ» . قال : فما هو ؟ قال : «شيءٌ بخلاف الأشياء ، ارْجِعْ بقولي إلى إثبات معنىً وأنّه شيءٌ بحقيقة الشيئيّة ، غير أنّه لا جسمٌ ولا صورةٌ ، ولا يُحَسُّ .........

فظهر الفرق بين الشيء والموجود، والشاهد على تغايرهما كما ذكرنا صحّة قولك: «شيء موجود» دون «موجود شيء» ولو لم يكن بينهما تغاير لزم صحّة الثاني أيضا كالأوّل وهو باطل، ولشدّة الاتّصال بين المعنيين وصعوبة التميز بينهما قال بعض بالعينيّة، وبعض بالمساوقة، وحقيقة الأمر ما بيّنّاه. ۱
انتهى.
ثمّ لمّا بيّن عليه السلام أنّه تعالى شيء بحقيقة الشيئيّة، فنفى عليه السلام عنه جميع ما عداه من ذوات الممكنات المعلولة كالجسم والصورة وأمثالهما، ومن صفاتها كالإحساس والإجساس ونحو ذلك؛ لأنّ الممكن لا يكون شيئا بحقيقة الشيئيّة، بل إنّما يكون شيئا بالانتساب إلى الشيئيّة كما هو التحقيق، أو بالاتّصاف بها بجعل الجاعل لا بذاته كما هو المشهور عندهم. وعلى أيّ تقدير، فلا يكون شيئا بحقيقة الشيئيّة.
فمن هذا ظهر أنّ نفي الجسم والصورة ، ونفي بعض صفات الممكنات هاهنا عنه تعالى على سبيل التمثيل؛ فتدبّر.
وقوله عليه السلام : (ولا يُحَسُّ) أي ليس من شأنه أن يدرك بحاسّة البصر كبعض الأجسام والجسمانيّات؛ لأنّ الإحساس في اللغة الإبصار؛ قال في الغريبين: «قوله تعالى: «فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الكُفْرَ»۲ أي عَلِمَه وهو في اللغة: أَبْصَرَهُ. ثمّ وُضِعَ مَوضِعَ العِلْم والوجود. ومنه قوله تعالى: «هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ»۳ أي هل ترى. يقال: هل أحْسَسْتَ فلانا، أي هل رأيته ۴ » انتهى.

1.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۲۶۷.

2.آل عمران (۳): ۵۲.

3.مريم (۱۹): ۹۸.

4.الغريبين، ج ۲، ص ۴۴۰ (حسس).

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144648
صفحه از 739
پرینت  ارسال به