۰.قال هشام : فكان من سؤال الزنديق أن قال : فما الدليلُ عليه؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «وجودُ الأفاعيل دَلَّتْ على أنَّ صانعا صَنَعَها ، ألاترى أنّك إذا نظرتَ إلى بناءٍ مُشَيَّدٍ مَبْنِيٍّ ، علمتَ أنّ له بانيا ، وإن كنتَ لم تَرَ البانِيَ ولم تُشاهِدْهُ» . قال : فما هو ؟ قال : «شيءٌ بخلاف الأشياء ، ارْجِعْ بقولي إلى إثبات معنىً وأنّه شيءٌ بحقيقة الشيئيّة ، غير أنّه لا جسمٌ ولا صورةٌ ، ولا يُحَسُّ .........
فظهر الفرق بين الشيء والموجود، والشاهد على تغايرهما كما ذكرنا صحّة قولك: «شيء موجود» دون «موجود شيء» ولو لم يكن بينهما تغاير لزم صحّة الثاني أيضا كالأوّل وهو باطل، ولشدّة الاتّصال بين المعنيين وصعوبة التميز بينهما قال بعض بالعينيّة، وبعض بالمساوقة، وحقيقة الأمر ما بيّنّاه. ۱
انتهى.
ثمّ لمّا بيّن عليه السلام أنّه تعالى شيء بحقيقة الشيئيّة، فنفى عليه السلام عنه جميع ما عداه من ذوات الممكنات المعلولة كالجسم والصورة وأمثالهما، ومن صفاتها كالإحساس والإجساس ونحو ذلك؛ لأنّ الممكن لا يكون شيئا بحقيقة الشيئيّة، بل إنّما يكون شيئا بالانتساب إلى الشيئيّة كما هو التحقيق، أو بالاتّصاف بها بجعل الجاعل لا بذاته كما هو المشهور عندهم. وعلى أيّ تقدير، فلا يكون شيئا بحقيقة الشيئيّة.
فمن هذا ظهر أنّ نفي الجسم والصورة ، ونفي بعض صفات الممكنات هاهنا عنه تعالى على سبيل التمثيل؛ فتدبّر.
وقوله عليه السلام : (ولا يُحَسُّ) أي ليس من شأنه أن يدرك بحاسّة البصر كبعض الأجسام والجسمانيّات؛ لأنّ الإحساس في اللغة الإبصار؛ قال في الغريبين: «قوله تعالى: «فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الكُفْرَ»۲ أي عَلِمَه وهو في اللغة: أَبْصَرَهُ. ثمّ وُضِعَ مَوضِعَ العِلْم والوجود. ومنه قوله تعالى: «هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ»۳ أي هل ترى. يقال: هل أحْسَسْتَ فلانا، أي هل رأيته ۴ » انتهى.